ابن حجر وجهله بطبقات الشيعة
المصدر: مقتطع من (الوافي في أسناد الكافي)، جزء 2.
في لسان الميزان لابن حجر (852 هـ) ظاهرة غريبة؛ وهي النقل بكثرة عن توثيقات وآراء علي بن الحكم في رجال الشيعة، في حين لم يشر كبراء مصنفي الشيعة من قبله بأربعمائة عام إلى شيء من هذا القبيل أو هذا الكتاب والذي من المفترض أن يكون قبل ابن حجر بستمائة عام، ويظهر اضطراب ذلك النقل في لسان الميزان، وسوء تقدير ابن حجر للطبقات وعدم معرفته به هو تتبع ما نقله عنه.
فعلي بن الحكم النخعي الكوفي المعروف عندنا من السادسة المتوفين قرب 220 هـ والذين رووا عن الخامسة المتوفين في حدود 190 هـ وروت عنه السابعة المتوفين في حدود 260 هـ.
وبمتابعة (علي بن الحكم) -الذي استشهد به ابن حجر في حدود (47) موضعًا وذكر له مدحًا أو توثيقًا لثلاثين رجلاً وذمًا لرجلَين- نجد أنه جعله من الطبقة السادسة حيث قال في جعفر بن ناجية: "قال الكشي روى عن الصادق وروى عنه علي بن الحكم"(1)، نعم لم يصلنا أن هذا قول الكشي، بل هو قول البرقي فيه، وعلى كل حال فإن (علي بن الحكم) في هذا المورد من طبقة علي بن الحكم النخعي المعروف عندنا.
ومثله بل وأشد منه دلالة على اتحاد المذكور عندنا وعنده قوله في ترجمة الحسين بن سيف بن عميرة من إنه يروي عنه علي بن الحكم(2)؛ فإن علي بن الحكم المعروف عندنا فعلاً مِمَّن يروي عن هذا الرجل كما يتضح من كتب الحديث(3). وعلى هذا فعلي بن الحكم عنده من السادسة كالذي عندنا.
لكن في ترجمة الحسين بن أحمد بن عامر الأشعري وهو الملقب بابن عامر شيخ الكليني المعروف (الحسين بن محمد بن عامر) وليس (أحمد)، قال ابن حجر: "ذكره علي بن الحكم في شيوخ الشيعة وقال كان من شيوخ أبي جعفر الكليني صاحب كتاب الكافي"(4)، وهذا لا يتناسب أبدًا مع الكلام السابق؛ فإن الكليني المتوفى (329 هـ) من الطبقة التاسعة ولعله لم يولَد إلا بعد وفاة علي بن الحكم؛ فابن الحكم شيخ شيخ شيخ الكليني!!. فكيف يتحدث عن تلميذ تلميذ تلميذه المستقبلي!! إلا أن يكون علي بن الحكم هذا من الطبقة المتأخرة عن الكليني!!
وأشد ضراوة منه قوله في ترجمة الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب شيخ الصدوق: "قال علي بن الحكم في مشايخ الشيعة كان مقيما بقم وله كتاب الفرائض أجاد فيه وأخذ عنه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه وكان يعظمه"(5). فإن علي بن الحكم الذي عده بدوا من السادسة هو شيخ شيخ شيخ شيخ الصدوق الذي هو من العاشرة!! ولعل الصدوق لم يولد إلا بعد وفاة علي بن الحكم بمدة غير يسيرة، فكيف يصح أن يترجم ابن الحكم الذي من المفترض كونه من السادسة للصدوق الذي هو من العاشرة؟!!
وآخر ما يمكن أن يتصور من غرابة، هو ما ذكره في ترجمة الحسين بن إبراهيم القزويني شيخ الطوسي وتلميذ محمد بن وهبان فقال: "ذكره أبو جعفر (يقصد الطوسي) في مشايخه واثنى عليه وقال كان يروي عن محمد بن وهبان وذكره علي بن الحكم في شيوخ الشيعة"(6)؛ فالقزويني هذا من الطبقة الحادية عشرة وعلي بن الحكم الذي من السادسة هو شيخ شيخ شيخ شيخ شيخه!!. فكيف يصح أن يترجم علي بن الحكم الذي هو من المفترض أن يكون من السادسة لشخص سيولد بعد وفاته بمدة طويلة من الحادية عشرة؟؟!!
وينفي الغرابة اتضاح جهالة ابن حجر الشديد بالطبقات, فقد ذكر في ترجمة الحسين بن عباس بن جرير العامري أنه روى عن الباقر عليه السلام وذكر أنه روى عنه أبو عبد الله البرقي و سهل بن زياد ومحمد بن أحمد بن عيسى (7) وغيرهم من السابعة المتوفين في حدود (260 إلى 280) هـ!
وهذا يعد من الغرائب للعارف بالطبقات؛ فإن الباقر عليه السلام توفي سنة 114هـ وروت عنه الرابعة المتوفين في حدود 150هـ، وأما من ذكرهم ابن حجر كسهل بن زياد وأصحابه هم من المتوفين بعد 260 هـ ولم يرووا إلا عن السادسة المتوفين بحدود 220 هـ، فكيف ذكر ابن حجر ذلك إن لم يكن يجهل توزيع رجالات الشيعة بحسب طبقاتهم.
من كل هذا يتضح أن كتاب علي بن الحكم الذي كان ينقل عنه ابن حجر ليس معروفا عند الشيعة، وفيه مغالطات في تحديد طبقة المؤلف، وقد تفرد ابن حجر بذكره بعد ستمائة عام من وفاة علي بن الحكم, ولم يذكره أصحابنا من تلامذته وأهل ملته القريبون من زمانه، فلابد حينها من الحكم بعدم الاعتداد بما ينقله ابن حجر عن علي بن الحكم.
هذا وفي كتاب ابن حجر بحث آخر يأتي في محله في كتاب ابن أبي طي، وآخر في نقله المتضارب مع الطوسي والنجاشي والكشي.
_______________________________________
(1) لسان الميزان لابن حجر: ج2، ص130.
(2) لسان الميزان لابن حجر: ج2، ص287.
(3) وسائل الشيعة للعاملي: 7 / 217، وليراجع الفهرست ترجمة الحسين بن سيف بن عميرة والطريق بواسطة علي بن الحكم.
(4) لسان الميزان لابن حجر: ج2، ص 265.
(5) لسان الميزان لابن حجر: ج2، ص 271.
(6) لسان الميزان لابن حجر: ج2، ص 272.
(7) لسان الميزان لابن حجر: ج2، ص 216، ولا يخفى التوهم في أن الراوي هو أحمد بن محمد وليس محمد بن أحمد وهو زميل البرقي وسهل وأن البرقي هو أحمد بن محمد زميل الرجلين، صاحب المحاسن فإن لديه ابن اسمه عبد الله هو أب شيخ الكليني وإن كان أبو أحمد البرقي، محمد بن خالد البرقي يُكَنَّى أيضًا بأبي عبد الله، لكن مناسبة الطبقة تنصرف إلى صاحب المحاسن خصوصًا مع وجود ولد له باسم عبد الله وكونه زميلا لسهل وللأشعري.
تعليقات
إرسال تعليق