مُنْيَة الرّاغب في دفع الإشكال عن (صلاة الرّغائب)
المصدر: مدونة الشيخ جابر جوير، أبريل 2015م.
باسمه تعالى
توطئة:
فإنّ مسألة (صلاة الرّغائب) مِن المسائل التي أثارت أصداءً مِن الجدل في السّاحة الشّيعيّة الكويتيّة، بل وفي غيرها أيضاً، ووجدتُ فيما أثاره سماحة السّيد مُرتضى المُهري (زيد فضله) مِن إشكالات على هذه الصّلاة ما يصلح أنْ يكون -في تقديري- أنموذجاً للاعتراض الجامع على هذه الصّلاة.
ولمّا كان ما أثاره سماحته (دام تأييده) قد تبيّنْتُ عدم تماميّته بعد تقليب نّظري القاصر فيه؛ وجدتني أنتخب هذا الأنموذج وأنشط لممارسة المُعالجة العلميّة عليه، وأعزم على المراجعة النّقديّة التّدقيقيّة فيه، ثمّ أُفرغ ذلك كلّه في قالب التّدوين والكتابة بعد أنْ تحرّيت له وجوه التّوضيح والبيان، وأمضيتُ على نشره وبثّه نيّتي؛ لدفع الإشكال عن هذه الصّلاة مِن جِهة، وللإسهام في الحِراك العلمي المطلوب على مستوى السّاحة المحلّية وغيرها؛ برفدها بالمُتابعات العِلميّة، وإضافة ملفّ جديد مِن الملفّات العلميّة التي لم تأخذ حقّها مِن التّحقيق الدّقيق والدّراسة الجادّة مِن قبل، بعيداً عن التّشنجات، والغوغائيّات التي لا تليق بالمؤمنين، والتي لا تنتج سوى تراجعاً ثقافيّاً وأخلاقيّاً - مِن جِهة أخرى.
وينبغي أنْ أشير في مطلع هذه الدّراسة إلى أنّ سماحة العالم الجليل السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) هو ربيب العلم وتوأم الفضل، مِن شجرة طيّبة ودوحة كريمة، ومِثله يطأ أعراف المجد، وليس مِثلي مَن يُعرّفه ويُجلّيه، ولكنّي أحرص على حفظ مقامه الشّامخ وفضله العِلمي والأبوي، مع عدم الاجتماع مِنّي على رأيه في هذه المسألة، ولا أراه قد أثار إشكالاته إلاّ مِن وحي غيرته المفرطه على المذهب، وواقع اهتمامه المُتدفّق بصلاح شؤون المؤمنين (أعزّهم الله)، وما تنزع همّته لترشيد سلوكهم، وتواتر عطائه في تصحيح حركتهم، وتقويم أحوالهم، غاية الأمر أنّي -بحسب مبلغ عِلمي، وحدّ نظري القاصر- لا أراه قد أصاب الحقيقة في أطروحته تلك -كما قُلتُ آنفاً، مع شدّة توخّيه لها، وبُعد بصيرته بمواضعها، على ما تشهد سيرته، وتُنبئ عنه مساهماته ومداخلاته العِلميّة، فمِن وحي ذلك كلّه كانت هذه المُناقشات والتّأمّلات على أعقاب تلك الرّؤية القاصرة منّي، أقدّمها وقد لبستُ عطاف الحياء، والله مِن وراء القصد.
ولمّا كان ما أثاره سماحته (دام تأييده) قد تبيّنْتُ عدم تماميّته بعد تقليب نّظري القاصر فيه؛ وجدتني أنتخب هذا الأنموذج وأنشط لممارسة المُعالجة العلميّة عليه، وأعزم على المراجعة النّقديّة التّدقيقيّة فيه، ثمّ أُفرغ ذلك كلّه في قالب التّدوين والكتابة بعد أنْ تحرّيت له وجوه التّوضيح والبيان، وأمضيتُ على نشره وبثّه نيّتي؛ لدفع الإشكال عن هذه الصّلاة مِن جِهة، وللإسهام في الحِراك العلمي المطلوب على مستوى السّاحة المحلّية وغيرها؛ برفدها بالمُتابعات العِلميّة، وإضافة ملفّ جديد مِن الملفّات العلميّة التي لم تأخذ حقّها مِن التّحقيق الدّقيق والدّراسة الجادّة مِن قبل، بعيداً عن التّشنجات، والغوغائيّات التي لا تليق بالمؤمنين، والتي لا تنتج سوى تراجعاً ثقافيّاً وأخلاقيّاً - مِن جِهة أخرى.
وينبغي أنْ أشير في مطلع هذه الدّراسة إلى أنّ سماحة العالم الجليل السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) هو ربيب العلم وتوأم الفضل، مِن شجرة طيّبة ودوحة كريمة، ومِثله يطأ أعراف المجد، وليس مِثلي مَن يُعرّفه ويُجلّيه، ولكنّي أحرص على حفظ مقامه الشّامخ وفضله العِلمي والأبوي، مع عدم الاجتماع مِنّي على رأيه في هذه المسألة، ولا أراه قد أثار إشكالاته إلاّ مِن وحي غيرته المفرطه على المذهب، وواقع اهتمامه المُتدفّق بصلاح شؤون المؤمنين (أعزّهم الله)، وما تنزع همّته لترشيد سلوكهم، وتواتر عطائه في تصحيح حركتهم، وتقويم أحوالهم، غاية الأمر أنّي -بحسب مبلغ عِلمي، وحدّ نظري القاصر- لا أراه قد أصاب الحقيقة في أطروحته تلك -كما قُلتُ آنفاً، مع شدّة توخّيه لها، وبُعد بصيرته بمواضعها، على ما تشهد سيرته، وتُنبئ عنه مساهماته ومداخلاته العِلميّة، فمِن وحي ذلك كلّه كانت هذه المُناقشات والتّأمّلات على أعقاب تلك الرّؤية القاصرة منّي، أقدّمها وقد لبستُ عطاف الحياء، والله مِن وراء القصد.
جابر جوير
صلاة الرّغائب في الميزان الفِقهي:
لا يخفى أنّ (صلاة الرّغائب) مِن الأعمال العِباديّة التي توفّر عليها الموروث الرّوائي الشّيعي، إلاّ أنّها -بالنّسبة إلينا- لا نجد لها حضوراً في المشهد الرّوائي، والمناخ الفقهي القديم الذي تحكي عنه المصادر المُتوفّرة المُتلقّاة عن روّاد الطّائفة الأوائل، فكانت اللّحظة التّارخية المُبكّرة التي تتّصل بظهورها ترجع إلى القرن السّابع الهجري، وفي الوقت نفسه لم يُعثر لها على سند مُعتبر في شيء مِن مضان الأدلّة الشّرعيّة.
ومع ذلك كُلّه: يُمكن الإتيان بها على نحو شرعي لا غُبار عليه بأحد نحوَيْن -استناداً إلى مدارك مُعتبرة[1] مذكورة في محلّها مِن الكُتب والمدُوّنات الفقهيّة، ويُعبّر عنها في لسان الفقهاء بـ(روايات مَن بلغ) - ، وتقريب ذلك بأحد النّحوَيْن الآتييَن على الأقل، وإلاّ فقد ذُكرت في محلّه وجوه أكثر مِن ذلك لا توجد مزيد فائدة مِن عرضها في المقام:
النّحو الأوّل: التّمسك بقاعدة التّسامح في أدلّة السُّنن، والذي هو مسلك عدّة مِن أعاظم الفُقهاء، ومِن خلال هذه القاعدة تكتسب تلك الصّلاة صفة الاستحباب -إمّا بالعنوان الأوّلي أو الثّانوي بحسب المباني المُختارة- بلا كلام، فيُؤتى بها على هذا الأساس بوصفها مِن المُستحبّات، بعد كونها مِن قبيل موضوع تلك القاعدة؛ لاستيفائها الشّرائط المطلوبة في ذلك.
النّحو الثّاني: تطبيق إجراء مقولة (رجاء المطلوبيّة)، والذي يُصحّح العمل بها، لا بعنوان كونها مُستحبّة، بل برجاء مِن المُكلّف بأنْ تكون مُستحبّة ومحبوبة في الواقع، بحث تكون مطلوبة الإيقاع والتّحقيق مِن قِبَل المُكلّف، وإنْ لم يُوَفّق للظّفر بما يدلّ على ذلك بوجه مُعتبر شرعاً، فيطمح المُكلّف بالثّواب المرافق لهذا العمل المُستفاد مِن الخبر الضّعيف، فيأتي به على ذلك الوجه.
وفيما نحن فيه: وبالنّظر إلى المُعطيات المُتاحة لنا؛ يُمكن أنْ نقول: بأنّه لا سبيل للطمئنان، فضلاً عن العِلْم بكذب رواية (صلاة الرّغائب)؛ إذْ لا يوجد ما يوجب أحدهما لا على سبيل الوِجدان، ولا على سبيل التّعبّد، والأصل في مِثل ذلك أنّها مشمولة بإحدى النّحوَيْن الآنفَيْن، وإلاّ فإنّ انتفاء احتمال صدور هذا العمل عن الشّارع الأقدس، كما لو تحصّل الاطمئنان أو القطع بكذب الخبر موجب لصيرورة كلا المسلكَيْن بلا موضوع.
ومع ذلك كُلّه: يُمكن الإتيان بها على نحو شرعي لا غُبار عليه بأحد نحوَيْن -استناداً إلى مدارك مُعتبرة[1] مذكورة في محلّها مِن الكُتب والمدُوّنات الفقهيّة، ويُعبّر عنها في لسان الفقهاء بـ(روايات مَن بلغ) - ، وتقريب ذلك بأحد النّحوَيْن الآتييَن على الأقل، وإلاّ فقد ذُكرت في محلّه وجوه أكثر مِن ذلك لا توجد مزيد فائدة مِن عرضها في المقام:
النّحو الأوّل: التّمسك بقاعدة التّسامح في أدلّة السُّنن، والذي هو مسلك عدّة مِن أعاظم الفُقهاء، ومِن خلال هذه القاعدة تكتسب تلك الصّلاة صفة الاستحباب -إمّا بالعنوان الأوّلي أو الثّانوي بحسب المباني المُختارة- بلا كلام، فيُؤتى بها على هذا الأساس بوصفها مِن المُستحبّات، بعد كونها مِن قبيل موضوع تلك القاعدة؛ لاستيفائها الشّرائط المطلوبة في ذلك.
النّحو الثّاني: تطبيق إجراء مقولة (رجاء المطلوبيّة)، والذي يُصحّح العمل بها، لا بعنوان كونها مُستحبّة، بل برجاء مِن المُكلّف بأنْ تكون مُستحبّة ومحبوبة في الواقع، بحث تكون مطلوبة الإيقاع والتّحقيق مِن قِبَل المُكلّف، وإنْ لم يُوَفّق للظّفر بما يدلّ على ذلك بوجه مُعتبر شرعاً، فيطمح المُكلّف بالثّواب المرافق لهذا العمل المُستفاد مِن الخبر الضّعيف، فيأتي به على ذلك الوجه.
وفيما نحن فيه: وبالنّظر إلى المُعطيات المُتاحة لنا؛ يُمكن أنْ نقول: بأنّه لا سبيل للطمئنان، فضلاً عن العِلْم بكذب رواية (صلاة الرّغائب)؛ إذْ لا يوجد ما يوجب أحدهما لا على سبيل الوِجدان، ولا على سبيل التّعبّد، والأصل في مِثل ذلك أنّها مشمولة بإحدى النّحوَيْن الآنفَيْن، وإلاّ فإنّ انتفاء احتمال صدور هذا العمل عن الشّارع الأقدس، كما لو تحصّل الاطمئنان أو القطع بكذب الخبر موجب لصيرورة كلا المسلكَيْن بلا موضوع.
عُمدة الإشكالات المُثارة:
إلاّ أنّه مع ذلك أثار سماحة السّيد مُرتضى المُهري (دام عطاؤه المُبارك) عدّة إشكالات في وجه العمل برواية (صلاة الرّغائب)، وذكر في ضِمن إفادته ما يراه مُعيقاً عن حيازتها لشرط الدّخول في موضوع (رجاء المطلوبيّة)؛ وذلك بدعوى كونها موضوعة (مكذوبة) على النّبي (ص) -بحسب رؤيته الخاصّة-.
وجاء هذا الإشكال في طليعة جُملة مِن الأمور التي ذكرها سماحته (حفظه الله تعالى) في هذ الصّدد، وإليك مجموعها:
حاصل ما أفاده سماحة السّيد (حفظه الله تعالى) :
اتّسقت إفادات سماحته وتنوّعت على ثلاثة أنواع:
الأوّل: صلاة الرّغائب لم ترد إلاّ في رواية واحدة !
الثّاني: رواية صلاة الرّغائب إنّما هي رواية سُنّيّة !
الثّالث: القطع بكون الرّواية مكذوبة !
وهو ما دفعنا لتخصيص هذا البحث للجواب عن جميع ما اشتمل عليه حديثه من إفادات، ومناقشتها على وِفق ما يقتضيه قانون البحث العِلمي وصناعته، وما يفرضه التّعاطي الموضوعي في أمثال المقام.
وتجدر الإشارة إلى أنّ جميع إفادات سماحته (حفظه الله تعالى) الآنفة ذكرها في مجلسه المُبارك، ضِمن حديث له مُسجّل صوتيّاً، ومنشور في موقع سماحته الرّسمي[2]، وكذا في موقع (يوتيوب).[3]
كما أنّه (حفظه الله تعالى)؛ أبدى اعتراضه أيضاً على هذه الصّلاة بنحو إجمالي في حديث آخر لسماحته مُسجّل صوتيّاً، ومنشور في موقعه الرّسمي[4].
وجاء هذا الإشكال في طليعة جُملة مِن الأمور التي ذكرها سماحته (حفظه الله تعالى) في هذ الصّدد، وإليك مجموعها:
حاصل ما أفاده سماحة السّيد (حفظه الله تعالى) :
اتّسقت إفادات سماحته وتنوّعت على ثلاثة أنواع:
الأوّل: صلاة الرّغائب لم ترد إلاّ في رواية واحدة !
الثّاني: رواية صلاة الرّغائب إنّما هي رواية سُنّيّة !
الثّالث: القطع بكون الرّواية مكذوبة !
وهو ما دفعنا لتخصيص هذا البحث للجواب عن جميع ما اشتمل عليه حديثه من إفادات، ومناقشتها على وِفق ما يقتضيه قانون البحث العِلمي وصناعته، وما يفرضه التّعاطي الموضوعي في أمثال المقام.
وتجدر الإشارة إلى أنّ جميع إفادات سماحته (حفظه الله تعالى) الآنفة ذكرها في مجلسه المُبارك، ضِمن حديث له مُسجّل صوتيّاً، ومنشور في موقع سماحته الرّسمي[2]، وكذا في موقع (يوتيوب).[3]
كما أنّه (حفظه الله تعالى)؛ أبدى اعتراضه أيضاً على هذه الصّلاة بنحو إجمالي في حديث آخر لسماحته مُسجّل صوتيّاً، ومنشور في موقعه الرّسمي[4].
مُناقشة ما أفاده سماحة السّيد (دام عزّه) :
المبحث الأوّل: دعوى أنّ صلاة الرغائب لم ترد إلاّ في رواية واحدة
وينعقد الكلام في مطلبَيْن:
المطلب الأوّل: تقرير ونقل نصّ إفادات سماحته
أفاد (حفظه الله تعالى) أنّه لا توجد سوى رواية واحدة واردة بشأن هذه اللّيلة، رواها العلاّمة الحلّي (قده) في بعض إجازاته.
قال: (رواية واحدة حول هذه اللّيلة، ليلة أوّل جُمعة مِن رجب، رواها العلاّمة الحلّي (قده)... رواها في كتاب ليس مِن كُتب الحديث؛ كتاب إجازة، يعني في إجازة أصلاً). (الدّقيقة: 1:26 وما بعدها).
المطلب الثّاني: مناقشة ما أفاده (حفظه الله تعالى)
أقول: يكفي الوجدان في الخِدشة بهذة الدّعوى، فقد ورد الخبر في عدّة مِن كُتب أصحابنا الإماميّة -أنار الله بُرهانهم- ومجموع الرّوايات التي ظفرتُ بها يبلغ أربع روايات بحسب ما يقود إليه التّقصي والتّتبع في المصادر المُتوفّرة، ولم أجد -بحسب مبلغ عِلمي القاصر- مَن ذكر هذا العدد قبل ذلك مِمّن بحث في (صلاة الرّغائب)، والحمدُ لله على توفيقه.
وعليه: ما أفاده سماحته (حفظه الله تعالى) في غير محلّه.
وإذا أردنا أنْ نُفكّك إفادة سماحته، فإنّنا نجدها راجعة لأحد أمرين:
الأمر الأوّل: أنّه لم يستوفِ البحث، فاقتصر في مُطالعته على ما ذكره العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته؛ فظنّ أنّ هذه الرّواية اليتيمة لا أُخت لها في مصادرنا!
ويُلاحظ على ذلك: أنّ هذا تقصير في حقّ البحث، وهو غريب مِن مِثله (دام عُلاه)، إلاّ أنّني مع ذلك ألتمس له العُذر، فإنّ انشغالات سماحته العلميّة، وعطاءاته وخدماته الجليلة للمؤمنين (صانهم الله)، والتي فرّغ لها نفسه رُبما حالت دون منح البحث حقّه على الوجه المطلوب.
الأمر الثّاني: أنّه (حفظه الله تعالى) مُطّلع على غير رواية العلاّمة الحلّي (قده)، لا أقلّ رواية السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال)، إلاّ أنّه يختار وحدتها في الأصل، بحيث يرى أنّ الرّواية واحدة، وإنْ تعدّد ناقلوها.
ويُلاحظ على ذلك: أنّ دعوى الوِحدة لا يوجد ما يُمكن أنْ يُركن إليه في تصحيحها -على ما سيأتي- ، فالرّوايات إنْ لم تكن مُتعدّدة؛ فهي مُتساوية النّسبة إلى الوِحدة والتّعدّد، فيُتوقّف فيها مِن هذه الجِهة، ولا معنى لترجيح دعوى على أخرى في ذلك.
قال: (رواية واحدة حول هذه اللّيلة، ليلة أوّل جُمعة مِن رجب، رواها العلاّمة الحلّي (قده)... رواها في كتاب ليس مِن كُتب الحديث؛ كتاب إجازة، يعني في إجازة أصلاً). (الدّقيقة: 1:26 وما بعدها).
المطلب الثّاني: مناقشة ما أفاده (حفظه الله تعالى)
أقول: يكفي الوجدان في الخِدشة بهذة الدّعوى، فقد ورد الخبر في عدّة مِن كُتب أصحابنا الإماميّة -أنار الله بُرهانهم- ومجموع الرّوايات التي ظفرتُ بها يبلغ أربع روايات بحسب ما يقود إليه التّقصي والتّتبع في المصادر المُتوفّرة، ولم أجد -بحسب مبلغ عِلمي القاصر- مَن ذكر هذا العدد قبل ذلك مِمّن بحث في (صلاة الرّغائب)، والحمدُ لله على توفيقه.
وعليه: ما أفاده سماحته (حفظه الله تعالى) في غير محلّه.
وإذا أردنا أنْ نُفكّك إفادة سماحته، فإنّنا نجدها راجعة لأحد أمرين:
الأمر الأوّل: أنّه لم يستوفِ البحث، فاقتصر في مُطالعته على ما ذكره العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته؛ فظنّ أنّ هذه الرّواية اليتيمة لا أُخت لها في مصادرنا!
ويُلاحظ على ذلك: أنّ هذا تقصير في حقّ البحث، وهو غريب مِن مِثله (دام عُلاه)، إلاّ أنّني مع ذلك ألتمس له العُذر، فإنّ انشغالات سماحته العلميّة، وعطاءاته وخدماته الجليلة للمؤمنين (صانهم الله)، والتي فرّغ لها نفسه رُبما حالت دون منح البحث حقّه على الوجه المطلوب.
الأمر الثّاني: أنّه (حفظه الله تعالى) مُطّلع على غير رواية العلاّمة الحلّي (قده)، لا أقلّ رواية السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال)، إلاّ أنّه يختار وحدتها في الأصل، بحيث يرى أنّ الرّواية واحدة، وإنْ تعدّد ناقلوها.
ويُلاحظ على ذلك: أنّ دعوى الوِحدة لا يوجد ما يُمكن أنْ يُركن إليه في تصحيحها -على ما سيأتي- ، فالرّوايات إنْ لم تكن مُتعدّدة؛ فهي مُتساوية النّسبة إلى الوِحدة والتّعدّد، فيُتوقّف فيها مِن هذه الجِهة، ولا معنى لترجيح دعوى على أخرى في ذلك.
عدد روايات (صلاة الرّغائب)
ذكرتُ فيما تقدّم أنّ الرّوايات المُتوفّر في المقام أربع بحسب ما يُفصح عنه التّتبع، وهي:
الرّواية الأولى: رواية السّيد ابن طاووس (قده) (ت: 664 هـ)، قال في كتابه (الإقبال) : (وجدنا ذلك في كُتب العبادات مرويّاً عن النّبي (ص) ، ونقلته أنا مِن بعض كتب أصحابنا (رحمهم الله)، فقال في جملة الحديث عن النّبي (ص) في ذكر فضل شهر رجب).[5]
الرّواية الثّانية: رواية العلاّمة الحلّي (قده) (ت: 726 هـ) ، قال في كتابه (منهاج الصّلاح) : (روى عمر بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي: أنّه يصوم أوّل خميس في رجب [إلى آخر الصّلاة]...ويسأل حاجته فإنّها تُقضى إنْ شاء الله).[6]
ولم أجد مَن التفت إليها، أو اعتنى بها مع بالغ الأسف، وتكمن قيمة هذه الرّواية في أمرَيْن:
الأوّل: أنّها مِن طريق آخر غير طريق الرّواية العاميّة المشهورة، والتي استغرقت جهود المُعترضين عليها في إثبات وضعها!
الثّاني: أنّها مِن إضافات العلاّمة الحلّي (قده) على مصباح الشّيخ (قده)، وإضافاته في غاية الأهمّيّة، وينبغي أنْ تكون محلّ عناية أهل التّحقيق؛ وذلك لما صرّح به (قده) في أوّل كتابه، قال: (وأضفت إليه ما لا بدّ مِنه، ولا يُستغنى عنه).[7]
الرّواية الأولى: رواية السّيد ابن طاووس (قده) (ت: 664 هـ)، قال في كتابه (الإقبال) : (وجدنا ذلك في كُتب العبادات مرويّاً عن النّبي (ص) ، ونقلته أنا مِن بعض كتب أصحابنا (رحمهم الله)، فقال في جملة الحديث عن النّبي (ص) في ذكر فضل شهر رجب).[5]
الرّواية الثّانية: رواية العلاّمة الحلّي (قده) (ت: 726 هـ) ، قال في كتابه (منهاج الصّلاح) : (روى عمر بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي: أنّه يصوم أوّل خميس في رجب [إلى آخر الصّلاة]...ويسأل حاجته فإنّها تُقضى إنْ شاء الله).[6]
ولم أجد مَن التفت إليها، أو اعتنى بها مع بالغ الأسف، وتكمن قيمة هذه الرّواية في أمرَيْن:
الأوّل: أنّها مِن طريق آخر غير طريق الرّواية العاميّة المشهورة، والتي استغرقت جهود المُعترضين عليها في إثبات وضعها!
الثّاني: أنّها مِن إضافات العلاّمة الحلّي (قده) على مصباح الشّيخ (قده)، وإضافاته في غاية الأهمّيّة، وينبغي أنْ تكون محلّ عناية أهل التّحقيق؛ وذلك لما صرّح به (قده) في أوّل كتابه، قال: (وأضفت إليه ما لا بدّ مِنه، ولا يُستغنى عنه).[7]
تعليق وتوضيح على الرّواية الثّانية:
أنّ مدلول رواية جابر الجعفي (رض) مُردّد بين أمرين:
الأوّل: أنّها حكاية عن عمل يمارسه جابر الجعفي (رض) نفسه، ويظهر أنّه مُلتزم بهذا العمل بمقتضى أفعال المُضارعة في ألفاظ الرّواية (يصوم، يصلي،...إلخ).
الثّاني: أنّها نقل لقول جابر الجعفي (رض) الصّادر عنه في مقام تقرير عمل هذه اللّيلة.
وعلى كلا التّقديريْن فإنّ ما اشتملت عليه الرّواية يُمكن تقريب نسبته إلى المعصوم (ع) بأحد تقريبين:
الأوّل: بناءً على أنّ المحكي هو عمل جابر الجعفي (قده)؛ فإنّه مِن البعيد جِداً أنْ لا يكون مِن جملة ما تلقّاه عن المعصوم (ع)؛ إذْ مِن البعيد جِداً أنْ يتورط مِثل جابر الجعفي (قده) في الابتداع في الدّين، بعد كونه مِن الفقهاء والأعلام الرّؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفُتيا والأحكام، الذين لا يُطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدوّنة، والمصنّفات المشهورة، بشهادة الشّيخ المُفيد (قده)[8]، وكونه باباً للإمام الباقر (ع)، بشهادة السّيد ابن شهرآشوب (قده)[9]، ومن خواصّ أصحاب الإمام الصّادق (ع)، بشهادة الأخير أيضاً.[10]
الثّاني: بناءً على أنّ روايته مِن قبيل الموقوفات، فإنّ الكلام في حجيّتها طويل الذّيل؛ مُتشعّب الأطراف، وفيه أقوال واتجاهات[11]، إلاّ أنّه يُمكن القول: أنّه غير ضار مِن مِثل جابر الجعفي (رض)، لجلالة قدره وسموّ شأنه، فمثله لا يُحتمل فيه -عادةً- الابتداع في الدّين، بحيث يخترع هذه الصّلاة محضاً، ويُنشؤها مِن عنده إنشاءً!، فلا مناص من الالتزام بكونه تلقّاها من جهة الشّرع.
إلاّ أنّه يبقى الكلام فيمن أُخذت عنه هذه الصّلاة، ومِثل جابر الجعفي (رض) لا يأخذ دينه عن غير إمامه (ع)، ولو كان غير ذلك؛ فإنّه لا يُحتمل في مثله أنْ يأخذ ما لا ينتهي إلى الشّرع بما يشمله عنوان (البدعة)، وإنْ لم يكن مِن طريق الأئمّة (عليهم الصّلاة والسّلام)، وبذلك لا يخرج الأمر عن مُسمّى الرّواية عن الشّرع، فيكون مشمولاً بموضوع قاعدة التّسامح في أدلّة السّنن، أو رجاء المطلوبيّة، فتدبّر.
الأوّل: أنّها حكاية عن عمل يمارسه جابر الجعفي (رض) نفسه، ويظهر أنّه مُلتزم بهذا العمل بمقتضى أفعال المُضارعة في ألفاظ الرّواية (يصوم، يصلي،...إلخ).
الثّاني: أنّها نقل لقول جابر الجعفي (رض) الصّادر عنه في مقام تقرير عمل هذه اللّيلة.
وعلى كلا التّقديريْن فإنّ ما اشتملت عليه الرّواية يُمكن تقريب نسبته إلى المعصوم (ع) بأحد تقريبين:
الأوّل: بناءً على أنّ المحكي هو عمل جابر الجعفي (قده)؛ فإنّه مِن البعيد جِداً أنْ لا يكون مِن جملة ما تلقّاه عن المعصوم (ع)؛ إذْ مِن البعيد جِداً أنْ يتورط مِثل جابر الجعفي (قده) في الابتداع في الدّين، بعد كونه مِن الفقهاء والأعلام الرّؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفُتيا والأحكام، الذين لا يُطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدوّنة، والمصنّفات المشهورة، بشهادة الشّيخ المُفيد (قده)[8]، وكونه باباً للإمام الباقر (ع)، بشهادة السّيد ابن شهرآشوب (قده)[9]، ومن خواصّ أصحاب الإمام الصّادق (ع)، بشهادة الأخير أيضاً.[10]
الثّاني: بناءً على أنّ روايته مِن قبيل الموقوفات، فإنّ الكلام في حجيّتها طويل الذّيل؛ مُتشعّب الأطراف، وفيه أقوال واتجاهات[11]، إلاّ أنّه يُمكن القول: أنّه غير ضار مِن مِثل جابر الجعفي (رض)، لجلالة قدره وسموّ شأنه، فمثله لا يُحتمل فيه -عادةً- الابتداع في الدّين، بحيث يخترع هذه الصّلاة محضاً، ويُنشؤها مِن عنده إنشاءً!، فلا مناص من الالتزام بكونه تلقّاها من جهة الشّرع.
إلاّ أنّه يبقى الكلام فيمن أُخذت عنه هذه الصّلاة، ومِثل جابر الجعفي (رض) لا يأخذ دينه عن غير إمامه (ع)، ولو كان غير ذلك؛ فإنّه لا يُحتمل في مثله أنْ يأخذ ما لا ينتهي إلى الشّرع بما يشمله عنوان (البدعة)، وإنْ لم يكن مِن طريق الأئمّة (عليهم الصّلاة والسّلام)، وبذلك لا يخرج الأمر عن مُسمّى الرّواية عن الشّرع، فيكون مشمولاً بموضوع قاعدة التّسامح في أدلّة السّنن، أو رجاء المطلوبيّة، فتدبّر.
إشكال ودفعه:
نعم، بقي شيء ربما يضرّ -بوجهٍ ما- فيما ذكرناه مِن الاستبعادات الآنفة بحقّ جابر الجعفي (رض)، وهو اتّهامه بالاختلاط[12]، إلاّ أنّه غير ضار بعد كون المقصود مُجملاً[13] في نفسه، فتأمّل.
الرّواية الثّالثة: رواية العلاّمة الحلّي (قده) (ت: 726 هـ) أيضاً؛ في إجازته الكبيرة لبني زهرة، مُسندة إلى أنس بن مالك عن النّبي (ص)، ونقل العّلامة المجلسي (قده) هذه الإجازة بتمامها في قِسم الإجازات في آخر (البحار)[14]، والخبر عنها الشّيخ الحُر العاملي (قده) في (الوسائل)، قال العلاّمة الحلّي (قده) : (ومِن ذلك ذكر صلاة الرّغائب روى صفتها: الحسن بن الدربي،... -وساق إسناده- )[15].
الرّواية الرّابعة: والعجيب أنّي لم أجد مَن أشار إليها قبل ذلك!، وهي رواية السّيد علي بن الحسين بن حسّان بن باقي القُرشي (قده) (كان حيّاً سنة: 653 هـ)[16]، في كتابه (اختيار المصباح) :
قال (قده) : (روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص) : لا تغفلوا عن أوّل ليلة جمعة منه فإنّها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرّغائب...إلخ)[17].
ونقلها الشّيخ الكفعمي (قده) في (البلد الأمين والدّرع الحصين) : (ذكر ابن باقي (رحمه الله) في (اختياره) : أنّ النّبي (ص) قال: لا تغفلوا عن أوّل جمعة مِن رجب فإنّها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرّغائب...إلخ)[18].
أمّا ابن باقي القُرشي (قده)؛ فقد حُكي عن بعض حواشي (البلد الأمين) أنّ الكفعمي (قده) وصفه بـ(السّيد الجليل).[19]
وقال عنه الميرزا عبدالله أفندي (قده) في (رياض العُلماء) : (الفاضل العالم الكامل المعروف...صاحب كتاب اختيار المصباح للشّيخ الطّوسي قدس الله روحهما...وهذا الكتاب كثير الاشتهار عند علماء بحرين، وهم يعملون بما فيه مِن الأدعية والأعمال)[20]، وقال (قده) في وضع آخر: (له كتاب اختيار مصباح الشّيخ الطّوسي، مع ضم فوائد إليه، ومشهور...وكتاب تلخيص المصباح معروف العمل به في بحرين، مُعتبر عند علمائهم)[21].
وقد قال العلاّمة المجلسي (قده) في (البحار) عند حديثه عن دعاء (الصّباح) عن كتابه (الاختيار) : (هذا الدّعاء من الأدعية المشهورة، ولم أجده في الكتب المُعتبرة إلاّ في مصباح السّيد ابن الباقي رحمة الله عليه)[22]، وقال في أوّل البحار : (والسّيد ابن باقي في نهاية الفضل والكمال)[23].
الرّواية الثّالثة: رواية العلاّمة الحلّي (قده) (ت: 726 هـ) أيضاً؛ في إجازته الكبيرة لبني زهرة، مُسندة إلى أنس بن مالك عن النّبي (ص)، ونقل العّلامة المجلسي (قده) هذه الإجازة بتمامها في قِسم الإجازات في آخر (البحار)[14]، والخبر عنها الشّيخ الحُر العاملي (قده) في (الوسائل)، قال العلاّمة الحلّي (قده) : (ومِن ذلك ذكر صلاة الرّغائب روى صفتها: الحسن بن الدربي،... -وساق إسناده- )[15].
الرّواية الرّابعة: والعجيب أنّي لم أجد مَن أشار إليها قبل ذلك!، وهي رواية السّيد علي بن الحسين بن حسّان بن باقي القُرشي (قده) (كان حيّاً سنة: 653 هـ)[16]، في كتابه (اختيار المصباح) :
قال (قده) : (روى أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص) : لا تغفلوا عن أوّل ليلة جمعة منه فإنّها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرّغائب...إلخ)[17].
ونقلها الشّيخ الكفعمي (قده) في (البلد الأمين والدّرع الحصين) : (ذكر ابن باقي (رحمه الله) في (اختياره) : أنّ النّبي (ص) قال: لا تغفلوا عن أوّل جمعة مِن رجب فإنّها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرّغائب...إلخ)[18].
أمّا ابن باقي القُرشي (قده)؛ فقد حُكي عن بعض حواشي (البلد الأمين) أنّ الكفعمي (قده) وصفه بـ(السّيد الجليل).[19]
وقال عنه الميرزا عبدالله أفندي (قده) في (رياض العُلماء) : (الفاضل العالم الكامل المعروف...صاحب كتاب اختيار المصباح للشّيخ الطّوسي قدس الله روحهما...وهذا الكتاب كثير الاشتهار عند علماء بحرين، وهم يعملون بما فيه مِن الأدعية والأعمال)[20]، وقال (قده) في وضع آخر: (له كتاب اختيار مصباح الشّيخ الطّوسي، مع ضم فوائد إليه، ومشهور...وكتاب تلخيص المصباح معروف العمل به في بحرين، مُعتبر عند علمائهم)[21].
وقد قال العلاّمة المجلسي (قده) في (البحار) عند حديثه عن دعاء (الصّباح) عن كتابه (الاختيار) : (هذا الدّعاء من الأدعية المشهورة، ولم أجده في الكتب المُعتبرة إلاّ في مصباح السّيد ابن الباقي رحمة الله عليه)[22]، وقال في أوّل البحار : (والسّيد ابن باقي في نهاية الفضل والكمال)[23].
روايات صلاة الرّغائب بين الوِحدة والتّعدّد
يقع الكلام بشأن روايات (صلاة الرّغائب) مِن جِهة وحدتها وتعدّدها، فهل هي بمثابة الرّواية الواحدة فقط، بالرّغم مِن تعدّدّ ناقليها مِن أصاحبنا الإماميّة (رضوان الله تعالى عليهم)، أمّ أنّها مُتعدّدة على الحقيقة، أم أنّ الأمر لا هذا ولا ذاك؛ فيستحكم الإبهام مِن هذه الجِهة؛ فلا يُمكن حسم الموقف لصالح أحد طَرَفَيْ الاحتمال؟
على ضوء المُعطيات التي سنذكرها بعد قليل، يُمكن القول:
1- أنّ الشّواهد القويّة على خلاف دعوى الوِحدة، وفي المقابل لا يوجد ما يُعتدّ به في قبول تلك الدّعوى.
2- مع فرض عدم تماميّة شيء من تلك الشّواهد؛ فإنّ البتُّ في هذا الأمر مِن قبيل الرّجم بالغيب! ، فالمصير إلى التّوقف والتّحفظ في إبداء الرأي في هذا الخصوص، فدعوى أنّ الرّواية واحدة؛ غير مسموعة.
3- أنّ التّعدد ثابت في الجُملة كما ستعرف، فإنّ بعض الرّوايات، لا سيّما رواية جابر الجُعفي (رض) غير سائر الرّوايات جزماً.
على ضوء المُعطيات التي سنذكرها بعد قليل، يُمكن القول:
1- أنّ الشّواهد القويّة على خلاف دعوى الوِحدة، وفي المقابل لا يوجد ما يُعتدّ به في قبول تلك الدّعوى.
2- مع فرض عدم تماميّة شيء من تلك الشّواهد؛ فإنّ البتُّ في هذا الأمر مِن قبيل الرّجم بالغيب! ، فالمصير إلى التّوقف والتّحفظ في إبداء الرأي في هذا الخصوص، فدعوى أنّ الرّواية واحدة؛ غير مسموعة.
3- أنّ التّعدد ثابت في الجُملة كما ستعرف، فإنّ بعض الرّوايات، لا سيّما رواية جابر الجُعفي (رض) غير سائر الرّوايات جزماً.
شواهد ومُنبّهات على التّعدد:
أوّلاً: أمّا رواية السّيد ابن طاووس (قده)، ورواية العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته
فبعد إجراء المُقابلة بين الرّوايتين تبيّن لي أنّ ثمّة تفاوت واختلاف بينهما، بما يمكن أنْ يصلح شاهداً قويّاً على اختلاف مَخْرَج الخبر، وبعض هذه الاختلافات، وإنْ كان يُمكن إيعازها إلى اختلاف النّسخ مِن جهة التّصحيف أو السّقط، إلاّ أنّ بعضها يأبى ذلك، وسنذكر مِن ذلك شيئاً يسيراً، ونُعرض عن الباقي وهو ما يُحتمل أقوى مِن غيره في أنْ يكون مِن جُملة نتائج التّصحيف والتّحريف والسّقط، ويُمكن للمُهتم المُراجعة والمُتابعة بأزيد مِمّا سنذكره:
المورد الأول: في رواية الإقبال: (صام يوم الخميس)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (يصوم الخميس).
المورد الثّاني: في رواية الإقبال: (فإذا كان أوّل ليلة نزوله إلى قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصّلاة)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فإذا كان أوّل ليلة في قبره بعث إليه ثواب هذه الصّلاة).
المورد الثّالث: في رواية الإقبال: (فيقول: مَن أنت؟ فما رأيت أحسن وجهاً منك!، ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك!)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فيقول: مَن أنت؟ فوالله ما رأيت وجهاً أحسن مِن وجهك، ولا سمعت كلاماً أحلى مِن كلامك ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك).
المورد الرّابع: في رواية الإقبال: (يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة، التي صلّيتها ليلة كذا في بلدة كذا في شهر كذا في سنة كذا)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فيقول: يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة التي صليتها في ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا).
المورد الخامس: في رواية الإقبال: (ظللت في عرصة القيامة على رأسك، وأنّك لن تعدم الخير مِن مولاك أبداً)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (ظللت في عرصة القيامة على رأسك فأبشر فلن تعدم الخير أبداً).
والحاصل: إنْ تمّ تحصيل الوثوق والاطمئنان بتعدّد الخبر على ضوء المُعطيات التي ذكرناها، وهو غير بعيد؛ فهو المطلوب، وإلاّ فإنّه لا دليل على الوحدة كما لا دليل على التّعدّد، فلاحظ.
المورد الأول: في رواية الإقبال: (صام يوم الخميس)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (يصوم الخميس).
المورد الثّاني: في رواية الإقبال: (فإذا كان أوّل ليلة نزوله إلى قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصّلاة)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فإذا كان أوّل ليلة في قبره بعث إليه ثواب هذه الصّلاة).
المورد الثّالث: في رواية الإقبال: (فيقول: مَن أنت؟ فما رأيت أحسن وجهاً منك!، ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك!)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فيقول: مَن أنت؟ فوالله ما رأيت وجهاً أحسن مِن وجهك، ولا سمعت كلاماً أحلى مِن كلامك ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك).
المورد الرّابع: في رواية الإقبال: (يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة، التي صلّيتها ليلة كذا في بلدة كذا في شهر كذا في سنة كذا)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فيقول: يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة التي صليتها في ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا).
المورد الخامس: في رواية الإقبال: (ظللت في عرصة القيامة على رأسك، وأنّك لن تعدم الخير مِن مولاك أبداً)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (ظللت في عرصة القيامة على رأسك فأبشر فلن تعدم الخير أبداً).
والحاصل: إنْ تمّ تحصيل الوثوق والاطمئنان بتعدّد الخبر على ضوء المُعطيات التي ذكرناها، وهو غير بعيد؛ فهو المطلوب، وإلاّ فإنّه لا دليل على الوحدة كما لا دليل على التّعدّد، فلاحظ.
إشكال ودفعه:
فإنْ قيل: أنّ العلاّمة الحلّي (قده) رواها عن (الحسن بن الدّربي)،كما صرّح هو بذلك في إجازته المذكورة، وهو الشّيخ تاج الدّين الحسن بن الدّربي، مِن مشايخ السّيد ابن طاووس (قده)، قال عنه العلاّمة الحلّي: (الشّيخ السّعيد)[24]، ابن داود الحلّي (قده) في (الرّجال) : (الشّيخ الصّالح)[25]، وقال السّيد ابن طاووس (قده) في (الدّروع الواقية) : (وأخبرني الشيخ الزاهد حسن بن الدّربي رحمه الله - فيما أجازه لي من كل ما رواه، أو سمعه، أو أنشأه، أو قرأه - باسناده إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي نوّر الله جلّ جلاله ضريحه)[26]، وعبّر عنه الشّهيد الأوّل في (الأربعون حديثاً) بـ(الإمام)[27]، وقال صاحب الرّياض (قده) : (الشّيخ الصّالح تاج الدّين الحسن بن الدربي...مِن أجلّة العُلماء، وقدوة الفقهاء، ومِن مشايخ المُحقّق، والسّيد رضي الدّين)[28]، وفي (تعليقة أمل الآمل) : (الشّيخ الصّالح)[29]، وقال الشّيخ الحُر العاملي (قده) في (أمل الآمل) : (عالم جليل القدر)[30].
وهو مِن شيوخ الإجازة، وطريق العلاّمة إليه بتوسّط السّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) على ما يظهر مِن إجازته لبني زهرة.[31]
وعليه: تكون رواية العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، هي نفسها رواية شيخه السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال).
أقول: هذا لا يرجع إلى محصّل؛ لعدّة أمور:
الأوّل: أنّ جميع ذلك لا يُلازم -بالضّرورة- نقل الاثنين عن الشّيخ ابن الدّربي (قده)، فلا يُمكن التّكهن بأنّه تلقّى رواية المقام عن شيخه، واحتمال تغاير مصدرهما في هذه الرّواية متين لا دافع له، لا سيّما بضميمة ما ذكرناه آنفاً مِن اختلاف الألفاظ، وتفواتها بين الرّوايتَيْن؛ إذْ لا يوجد مانع يوجب أنْ ينقل السّيد ابن طاووس (قده) عن غير شيخه ابن الدّربي (قده) في هذا المورد، فتدبّره جيّداً.
الثّاني: وهو ما أسوقه على نحو الاحتمال الذي لا يخلو عن قوّة، وهو: أنّ السّيد ابن طاووس (قده) صرّح بأنّه نقل الرّواية عن كتب بعض أصحابنا، بينما لا يُعرف للشّيخ حسن بن الدّربي (قده) كتاب ولا مؤلّف، ولم يلوّح مَن ترجمه بشيء مِن ذلك، بل يظهر بالتّتبع أنّه مِن شيوخ الإجازة، وراوية للكتب والمُصنّفات؛ ولذا قال المُحقّق الطّهراني (قده) : (لم يعهد له تأليف نظماً أو نثراً).[32]
نعم، ذكر السّيد ابن طاووس (قده) في (الدّروع) -على ما مر- أنّ الشّيخ ابن الدّربي (قده) أجازه في: (كل ما رواه، أو سمعه، أو أنشأه، أو قرأه)، ومقتضاه أنّ للدربي (قده) ما أنشأه، أيّ ألّفه.
إلاّ أنْ: يُعدل عن مقتضى مدلوله، فيُدّعى أنّه على سبيل القوّة لا الفعل، أيّ أنّ الشّيخ قد يُجيز تلميذه بمؤلّفاته التي سينجزها في القابل، وقد اتّفق نظير ذلك في غير إجازة، ومع ذلك يبقى في النّفس شيء، ولا يُمكن اقتحام الغيب، والجزم بضرس قاطع بعدم وجود كتاب للدربي (قده).
والحاصل: أنّ تلمّذ السّيد ابن طاووس (قده) على شيخه ابن الدربي (قده)، وروايته عنه، وكون العلاّمة الحلّي (قده) يروي عنه بتوسّط السّيد ابن طاووس (قده)، يدعّم احتمال أنّ لابن الدربي (قده) ضلع في رواية السّيد ابن طاووس (قده)، إلاّ أنّ هذا الاحتمال لا يرتقي إلى الدّليل الموجب لتعيين موقف محدّد مِن القضيّة.
وهو مِن شيوخ الإجازة، وطريق العلاّمة إليه بتوسّط السّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) على ما يظهر مِن إجازته لبني زهرة.[31]
وعليه: تكون رواية العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، هي نفسها رواية شيخه السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال).
أقول: هذا لا يرجع إلى محصّل؛ لعدّة أمور:
الأوّل: أنّ جميع ذلك لا يُلازم -بالضّرورة- نقل الاثنين عن الشّيخ ابن الدّربي (قده)، فلا يُمكن التّكهن بأنّه تلقّى رواية المقام عن شيخه، واحتمال تغاير مصدرهما في هذه الرّواية متين لا دافع له، لا سيّما بضميمة ما ذكرناه آنفاً مِن اختلاف الألفاظ، وتفواتها بين الرّوايتَيْن؛ إذْ لا يوجد مانع يوجب أنْ ينقل السّيد ابن طاووس (قده) عن غير شيخه ابن الدّربي (قده) في هذا المورد، فتدبّره جيّداً.
الثّاني: وهو ما أسوقه على نحو الاحتمال الذي لا يخلو عن قوّة، وهو: أنّ السّيد ابن طاووس (قده) صرّح بأنّه نقل الرّواية عن كتب بعض أصحابنا، بينما لا يُعرف للشّيخ حسن بن الدّربي (قده) كتاب ولا مؤلّف، ولم يلوّح مَن ترجمه بشيء مِن ذلك، بل يظهر بالتّتبع أنّه مِن شيوخ الإجازة، وراوية للكتب والمُصنّفات؛ ولذا قال المُحقّق الطّهراني (قده) : (لم يعهد له تأليف نظماً أو نثراً).[32]
نعم، ذكر السّيد ابن طاووس (قده) في (الدّروع) -على ما مر- أنّ الشّيخ ابن الدّربي (قده) أجازه في: (كل ما رواه، أو سمعه، أو أنشأه، أو قرأه)، ومقتضاه أنّ للدربي (قده) ما أنشأه، أيّ ألّفه.
إلاّ أنْ: يُعدل عن مقتضى مدلوله، فيُدّعى أنّه على سبيل القوّة لا الفعل، أيّ أنّ الشّيخ قد يُجيز تلميذه بمؤلّفاته التي سينجزها في القابل، وقد اتّفق نظير ذلك في غير إجازة، ومع ذلك يبقى في النّفس شيء، ولا يُمكن اقتحام الغيب، والجزم بضرس قاطع بعدم وجود كتاب للدربي (قده).
والحاصل: أنّ تلمّذ السّيد ابن طاووس (قده) على شيخه ابن الدربي (قده)، وروايته عنه، وكون العلاّمة الحلّي (قده) يروي عنه بتوسّط السّيد ابن طاووس (قده)، يدعّم احتمال أنّ لابن الدربي (قده) ضلع في رواية السّيد ابن طاووس (قده)، إلاّ أنّ هذا الاحتمال لا يرتقي إلى الدّليل الموجب لتعيين موقف محدّد مِن القضيّة.
ثانياً: أمّا بالنّسبة إلى رواية العلاّمة (قده) في (منهاج الصّلاح)
فإنّ دعوى الوِحدة إنْ قبلها البعض في خصوص الرّواية الأولى (=رواية السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال))، والثّالثة (=رواية العلاّمة (قده) في إجازته) -مع كونها مِمّا لا موجب لها كما ذكرنا آنفاً- إلاّ أنّه مِمّا لا سبيل لقبولها في خصوص الرّواية الثّانية (=رواية العلاّمة في (منهاج الصّلاح))، وهو لا يكاد يخفى، ومع ذلك يُمكن الإشارة إلى جهات التّغاير بينهما بما يصلح أنْ يكون شاهداً على التّعدّد، وذلك بأمرين:
الأمر الأوّل: مِن جِهة السّند
أنّها مرويّة عن عمر بن شمر عن جابر الجعفي (رض)، بينما غيرها مرويّ عن النّبي (ص)، تارة مُرسلةً عنه، وأخرى مُسندةً بتوسّط بعض رجال العامّة انتهاءً بالصّحابي أنس بن مالك.
الأمر الثّاني: مِن جِهة المتن
وهو مِن جِهتين:
الأولى: الاختصار؛ إذْ أنّها جاءت مجرّدة عن الفضائل المذكورة في سائر الرّوايات، سوى ما يرتبط بشيء من ثوابها في آخرها، حيث جاء فيها : (ويسأل حاجته فإنّها تُقضى إنْ شاء الله)، وهذا قدر مُشترك بينها وبين غيرها.
الثّانية: شيءٌ مُهمٌّ مِن اللّفظ؛ حيث جاء في ضِمن جملة من ألفاظها: (أنّه يصوم أوّل خميس في رجب، ثمّ يصلّي العشاء ليلة الجمعة ثم يصلي اثني عشرة ركعة).
بينما وقع عند السّيد ابن طاووس والعلاّمة الحلّي (قدهما) : (أما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس من رجب ثم يصلي ما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة).
والحاصل: أنّ هذه الرّواية مُختلفة عن سائر الرّوايات في المقام، ومِن المقطوع به أنّها رواية مُستقلّة بنفسها، ولا يوجد ما يُمكن أنْ يُتّكأ عليه في خلاف ذلك.
الأولى: الاختصار؛ إذْ أنّها جاءت مجرّدة عن الفضائل المذكورة في سائر الرّوايات، سوى ما يرتبط بشيء من ثوابها في آخرها، حيث جاء فيها : (ويسأل حاجته فإنّها تُقضى إنْ شاء الله)، وهذا قدر مُشترك بينها وبين غيرها.
الثّانية: شيءٌ مُهمٌّ مِن اللّفظ؛ حيث جاء في ضِمن جملة من ألفاظها: (أنّه يصوم أوّل خميس في رجب، ثمّ يصلّي العشاء ليلة الجمعة ثم يصلي اثني عشرة ركعة).
بينما وقع عند السّيد ابن طاووس والعلاّمة الحلّي (قدهما) : (أما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس من رجب ثم يصلي ما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة).
والحاصل: أنّ هذه الرّواية مُختلفة عن سائر الرّوايات في المقام، ومِن المقطوع به أنّها رواية مُستقلّة بنفسها، ولا يوجد ما يُمكن أنْ يُتّكأ عليه في خلاف ذلك.
ثالثاً: أمّا بالنّسبة إلى رواية (الاختيار) للسّيد ابن باقي القُرشي (قده)
فثمّة ما يشهد على تغايرها عن سائر الرّوايات، ويُمكن إثبات ذلك بالتّقنيّة نفسها التي فعلّناها في سياق الحديث عن تغاير رواية السّيد اين طاووس (قده)، عن روايَتَيّ العلاّمة الحلّي (قده)، أعني الاستناد إلى اختلاف ألفاظ الرّواية، حيث جاءت بصورة يُمكن أنْ يُقال في حقّها أنّه لا يُحتمل فيها رجوع الاختلاف إلى التّصحيف والتّحريف، بنحو يُضاعف مِن احتمال النّقل المذكور؛ فإنْ تمّ ما قلناه وهو وجيه جِدّاً لا يبعد أنْ يورث وثوقاً واطمئناناً؛ فإنّا نتوفّر حينئذ- على رواية رابعة تُضاف إلى أخواتها، وإليك بعض موارد الاختلاف بينهما:
المورد الأوّل: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (ثم يسجد ويقول في سجوده (سبعين مرّة) : سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح، ثمّ يرفع رأسه ويقول: ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العلّي الأعظم).
وأمّا في إجازة العلاّمة فالمُخالفة في آخر العبارة، وهو قوله : (ثمّ يرفع رأسه فيقول (سبعين مرّة) : ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العلّي الأعظم).
بينما جاء في (اختيار مصباح المتهجّد) : (ثمّ يسجد (سجدة)، ويقول في سجوده: سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح (سبعين مرّة)، ثمّ يرفع رأسه ويقول (سبعين مرّة) : ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العلّي الأعظم).
وفي المحكي عنه (=البلد الأمين للكفعمي) : (ثمّ يسجد، ويقول في سجوده: سبوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح، سبعين مرة، ثم يرفع رأسه ويقول: ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العليّ الأعظم (سبعين مرة) ).
المورد الثّاني: ( ويشفع يوم القيامة في سبعمائة مِن أهل بيته مِمّن قد استوجب النّار، فإذا كان أوّل ليلة نزوله إلى قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصّلاة في أحسن صورة بوجه طلق ولسان ذلق، فيقول: يا حبيبي ابشر فقد نجوت مِن كلّ شدّة، فيقول: مَن أنت فما رأيت أحسن وجهاً مِنك، ولا شممت رائحة أطيب مِن رائحتك؟ فيقول: يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة التي صلّيتها ليلة كذا، في بلدة، كذا، في شهر كذا، في سنة كذا، جئت اللّيلة لأقضي حقك، وآنس، وحدتك، وأرفع عنك، وحشتك، فإذا نُفخ في الصّور ظللت في عرصة القيامة على رأسك، وإنّك لن تعدم الخير مِن مولاك أبداً).
وأمّا في (اختيار ابن باقي) : (وشُفّع يوم القيامة في سبعماءة مِن أهل بيته مِمّن قد استوجب النّار، وذكر شيئاً يطول بذكره الكتاب).
وكذا في المحكي عنه (=البلد الأمين للكفعمي).
أقول: لأنْ كان المورد الأوّل محلاًّ للجدل والاختلاف، فإنّ الثّاني بمنأى عن ذلك كلّه؛ فإنّه مِن المقطوع أنّه ليس كذلك، وهو شاهد، بل دليل قوي جدّاً على كون السّيد ابن طاووس (قده) لم يأخذ الرّواية عن (اختيار مصباح المُتهجّد) للسّيد ابن باقي (قده)، فتدبّره جيّداً.
موارد أخرى:
وثمّة موارد أخرى رُبما ليس يُعتدّ بها لإثبات التّغاير؛ إذْ قد تكون مستندة إلى طوارئ النّسخ، واختلاف أيدي النّساخ، مِن ذلك مثلاً:
المورد الأوّل: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (فإنها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرّغائب، وذلك إذا مضى ثلث اللّيل لم [(لا)؛ في رواية إجازة العلاّمة الحلّي (قده)] يبق [يبقى] ملك في السّماوات والأرض إلاّ ويجتمعون في الكعبة وحواليها).
وليس بينها وبين ما في (أصل اختيار مصباح المُتهجّد) سوى أنّ فيه (لا) وِفاقاً لما عند العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته.
بينما وقع في محكي رواية (اختيار ابن باقي) : (أنّه إذا مضى ثلث اللّيل اجتمعت ملائكة السّماوات والأرض في الكعبة وحولها).
المورد الثّاني: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة [واحدة؛ في رواية العلاّمة]، و(إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ثلاث مرّات، و(قل هو الله أحد) اثنتي [اثني؛ رواية العلاّمة] عشرة مرّة، فإذا فرغ من صلاته صلّى عليّ سبعين مرّة ، يقول: اللّهم صلّ على محمّد النّبي الأمّي وعلى آله [في رواية العلاّمة: اللّهم صلّ على محمّد وعلى آله].
وليس بينها وبين ما في (أصل اختيار مصباح المُتهجّد) سوى أنّ فيه (واحدة) وِفاقاً لما عند العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، مُضافاً إلى أنّ ليس فيه (النّبي الأمّي وعلى)، كما أنّ بعض نُسخ الإقبال جاء فيها: (النّبي الهاشمي وآله).
بينما وقع في محكي رواية (اختيار ابن باقي) : (يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، والقدر ثلاثاً، والتّوحيد اثنتي عشرة، فإذا سّلم قال: اللّهم صلّ على محمّد وآله سبعين مرّة).
المورد الثّالث: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (ثم يسجد سجدة أخرى فيقول فيها مثل ما قال في السّجدة الأولى).
إلاّ أنّه لم يرد في (اختيار المصباح) : (مثل)، ومَحْكِيّه، وكذا رواية العلاّمة (قده) في إجازته.
المورد الأوّل: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (ثم يسجد ويقول في سجوده (سبعين مرّة) : سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح، ثمّ يرفع رأسه ويقول: ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العلّي الأعظم).
وأمّا في إجازة العلاّمة فالمُخالفة في آخر العبارة، وهو قوله : (ثمّ يرفع رأسه فيقول (سبعين مرّة) : ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العلّي الأعظم).
بينما جاء في (اختيار مصباح المتهجّد) : (ثمّ يسجد (سجدة)، ويقول في سجوده: سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح (سبعين مرّة)، ثمّ يرفع رأسه ويقول (سبعين مرّة) : ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العلّي الأعظم).
وفي المحكي عنه (=البلد الأمين للكفعمي) : (ثمّ يسجد، ويقول في سجوده: سبوح قدّوس ربّ الملائكة والرّوح، سبعين مرة، ثم يرفع رأسه ويقول: ربّ اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت العليّ الأعظم (سبعين مرة) ).
المورد الثّاني: ( ويشفع يوم القيامة في سبعمائة مِن أهل بيته مِمّن قد استوجب النّار، فإذا كان أوّل ليلة نزوله إلى قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصّلاة في أحسن صورة بوجه طلق ولسان ذلق، فيقول: يا حبيبي ابشر فقد نجوت مِن كلّ شدّة، فيقول: مَن أنت فما رأيت أحسن وجهاً مِنك، ولا شممت رائحة أطيب مِن رائحتك؟ فيقول: يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة التي صلّيتها ليلة كذا، في بلدة، كذا، في شهر كذا، في سنة كذا، جئت اللّيلة لأقضي حقك، وآنس، وحدتك، وأرفع عنك، وحشتك، فإذا نُفخ في الصّور ظللت في عرصة القيامة على رأسك، وإنّك لن تعدم الخير مِن مولاك أبداً).
وأمّا في (اختيار ابن باقي) : (وشُفّع يوم القيامة في سبعماءة مِن أهل بيته مِمّن قد استوجب النّار، وذكر شيئاً يطول بذكره الكتاب).
وكذا في المحكي عنه (=البلد الأمين للكفعمي).
أقول: لأنْ كان المورد الأوّل محلاًّ للجدل والاختلاف، فإنّ الثّاني بمنأى عن ذلك كلّه؛ فإنّه مِن المقطوع أنّه ليس كذلك، وهو شاهد، بل دليل قوي جدّاً على كون السّيد ابن طاووس (قده) لم يأخذ الرّواية عن (اختيار مصباح المُتهجّد) للسّيد ابن باقي (قده)، فتدبّره جيّداً.
موارد أخرى:
وثمّة موارد أخرى رُبما ليس يُعتدّ بها لإثبات التّغاير؛ إذْ قد تكون مستندة إلى طوارئ النّسخ، واختلاف أيدي النّساخ، مِن ذلك مثلاً:
المورد الأوّل: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (فإنها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرّغائب، وذلك إذا مضى ثلث اللّيل لم [(لا)؛ في رواية إجازة العلاّمة الحلّي (قده)] يبق [يبقى] ملك في السّماوات والأرض إلاّ ويجتمعون في الكعبة وحواليها).
وليس بينها وبين ما في (أصل اختيار مصباح المُتهجّد) سوى أنّ فيه (لا) وِفاقاً لما عند العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته.
بينما وقع في محكي رواية (اختيار ابن باقي) : (أنّه إذا مضى ثلث اللّيل اجتمعت ملائكة السّماوات والأرض في الكعبة وحولها).
المورد الثّاني: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة [واحدة؛ في رواية العلاّمة]، و(إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ثلاث مرّات، و(قل هو الله أحد) اثنتي [اثني؛ رواية العلاّمة] عشرة مرّة، فإذا فرغ من صلاته صلّى عليّ سبعين مرّة ، يقول: اللّهم صلّ على محمّد النّبي الأمّي وعلى آله [في رواية العلاّمة: اللّهم صلّ على محمّد وعلى آله].
وليس بينها وبين ما في (أصل اختيار مصباح المُتهجّد) سوى أنّ فيه (واحدة) وِفاقاً لما عند العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، مُضافاً إلى أنّ ليس فيه (النّبي الأمّي وعلى)، كما أنّ بعض نُسخ الإقبال جاء فيها: (النّبي الهاشمي وآله).
بينما وقع في محكي رواية (اختيار ابن باقي) : (يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، والقدر ثلاثاً، والتّوحيد اثنتي عشرة، فإذا سّلم قال: اللّهم صلّ على محمّد وآله سبعين مرّة).
المورد الثّالث: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (ثم يسجد سجدة أخرى فيقول فيها مثل ما قال في السّجدة الأولى).
إلاّ أنّه لم يرد في (اختيار المصباح) : (مثل)، ومَحْكِيّه، وكذا رواية العلاّمة (قده) في إجازته.
إشكال ودفعه:
ولا يُقال: أنّ السّيد ابن طاووس (قده) أخذ روايته عن (اختيار) السّيد ابن باقي القرشي (قده)؛ باعتباره مُضافاً إلى كونه مُعاصره؛ فهو قد نقل عنه في مورد آخر مِن كتابه (الإقبال) الذي نقل فيه (صلاة الرّغائب) أيضاً، حيث جاء فيه ضمن سياق أدعية شهر رمضان المُبارك، في طبعتين من الكتاب: (دعاء آخر في اليوم الأوّل منه مِن مصباح السّيد بن باقي رحمه الله)[33]، وقد صرّح المُحقّق الطّهراني (قده) بإكثار النّقل عنه مِن قِبل السّيد ابن طاووس (قده)، قال (قده) في (الذّريعة) : (المصباح لابن باقي في الأدعية، الذي يكثر النّقل عنه السّيد علي ابن طاووس).[34]
فإنّه يُقال:
أوّلاً: أنّ عبارة (مِن مصباح السّيد بن باقي رحمه الله) غير موجودة في بعض طبعات كتاب (الإقبال)[35].
ووجدت مُحقّق هذه الطّبعة يقول في مقدّمة تحقيقه: (يوجد في هذين الكتابَيْن موارد يظهر بالتّأمّل والمراجعة بنسخ الخطّية أنّها مِن إضافات النّساخ، كأدعية الأيّام في شهر رمضان مِن مجموعة مولانا زين العابدين (عليه السّلام) ، ومِن اختيار المصباح لسيّد بن الباقي)[36].
وقال المُحقّق السّيد عبدالعزيز الطّبطبائي (قده) في فهرسه لمخطوطات مكتبة أمير المؤمنين (ع) العامّة في مدينة النّجف الأشرف : (أدعية شهر رمضان، جمعها بعض تلامذة العلاّمة المحدّث المجلسي في النّجف الأشرف، ناقلاً لها عن نسخة مِن كتاب الإقبال لابن طاووس، وجدها في النّجف، وفيها هذه الزّيادات على سائر النّسخ، فجمعها في هذا الكتاب، وذكر أنّ هذه الأدعية مدرجة في هذه النّسخة برواية السّيد ابن باقي، ومِن مجموعة سيّدنا زين العابدين (ع)، ثم ذكر أنّ هذه الدّعوات قد زيدت في الكتاب مِن قبل النّاسخين).[37]
أقول: الأمر يعوزه مزيد مُتابعه ونظر في النّسخ الخطّية للكتاب، وهو ما لا يسعه وقتي المُتاح الآن!، فلعلّ الله تعالى يوفّقنا لذلك قريباً، أو يُقيّض لهذه المُهمّة مَن ينبري لها، ويُتمّها على وجهها الصّحيح.
والحاصل: أنّ هذا المقدار يخرم الوثوق بالنّسخ مِن هذه الجِهة، ويضعنا في موضع التّساؤل عن تعيين الصّحيح منها، فلا مناص مِن التّوقف في هذا الأمر، إلى حين الظّفر بما يُفيد في المقام، وعليه: يتّضح عدم تماميّة هذا الإشكال.
ثانياً: أنّ هذا لا يُمكن إثارته إلاّ على نحو الاحتمال؛ بداهة أنّ المُعاصرة لا يلزم منها اشتراك المُتعاصرَيْن في الأخبار التي ينقلوناه، وليس ثمّة إصرار - مِنّا - على النّفي بقدر التّأكيد على كون باب الاحتمالات منفتحاً على عدّة وجوه، ولا سبيل لحسم مادّة اختلافها.
ثانياً: أنّه قد يُقال أنّ السّيد ابن طاووس (قده) لم ينقل عن الكتاب؛ لكونه أتمّه سنة (605 هـ) كما جاء في بعض النّسخ على ما يعكسه واقع بعض طبعات الكتاب، أو سنة (650 هـ) على ما صّرح به المُحقّق الطّهراني (قده) في (الذّريعة)[38]؛ فيظهر أنّ هذا واقع نسخته، بينما السّيد ابن باقي القرشي (قده) أتمّ كتابه سنة (653 هـ) على ما ذكره الميرزا عبدالله الأفندي في (الرّياض)، وغيره[39]؛ وعلى كلا التّقديرين يكون مؤدّاه أنّ كتاب (الإقبال) مُنجز قبل (الاختيار) للسّيد باقي القرشي (قده)، وحينئذ: لا يُتصوّر معه نقل الأوّل عن الثّاني كما لا يخفى.
بيد أنّه يُعكّر ذلك: أنّه في بعض طبعات الكتاب أثبت محقّقها تأريخ الفراغ من (الإقبال) هكذا: (خمس و[خمسون و] ستّمائة)[40]، مِمّا يشي باختلاف النّسخ، واشتمال بعضها على ما بين المعقوفتين.
وعليه: يقوى احتمال نقل السّيد ابن طاووس (قده) عنه، بعد كون كتاب السّيد ابن باقي القرشي (قده) مُتقدّماً عنه في وقت التّصنيف.
والذي يحسم الأمر لصالح أحد تلك التّأريخات على نحو دقيق هو واقع النّسخ الخطّية، فإنْ لم يكن أو كان لصالح تقديم تأريخ (الاختيار)، وتأخير تأريخ (الإقبال) فإنّه يُمكن التّفصي عن الإشكال على كلا التّقديرَيْن بما حاصله: أنّ محض تقدّم كتاب (الاختيار)، لا يلزم منه - بالضّرورة - وقوع النّقل عنه مِن قبل السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال).
فإنّه يُقال:
أوّلاً: أنّ عبارة (مِن مصباح السّيد بن باقي رحمه الله) غير موجودة في بعض طبعات كتاب (الإقبال)[35].
ووجدت مُحقّق هذه الطّبعة يقول في مقدّمة تحقيقه: (يوجد في هذين الكتابَيْن موارد يظهر بالتّأمّل والمراجعة بنسخ الخطّية أنّها مِن إضافات النّساخ، كأدعية الأيّام في شهر رمضان مِن مجموعة مولانا زين العابدين (عليه السّلام) ، ومِن اختيار المصباح لسيّد بن الباقي)[36].
وقال المُحقّق السّيد عبدالعزيز الطّبطبائي (قده) في فهرسه لمخطوطات مكتبة أمير المؤمنين (ع) العامّة في مدينة النّجف الأشرف : (أدعية شهر رمضان، جمعها بعض تلامذة العلاّمة المحدّث المجلسي في النّجف الأشرف، ناقلاً لها عن نسخة مِن كتاب الإقبال لابن طاووس، وجدها في النّجف، وفيها هذه الزّيادات على سائر النّسخ، فجمعها في هذا الكتاب، وذكر أنّ هذه الأدعية مدرجة في هذه النّسخة برواية السّيد ابن باقي، ومِن مجموعة سيّدنا زين العابدين (ع)، ثم ذكر أنّ هذه الدّعوات قد زيدت في الكتاب مِن قبل النّاسخين).[37]
أقول: الأمر يعوزه مزيد مُتابعه ونظر في النّسخ الخطّية للكتاب، وهو ما لا يسعه وقتي المُتاح الآن!، فلعلّ الله تعالى يوفّقنا لذلك قريباً، أو يُقيّض لهذه المُهمّة مَن ينبري لها، ويُتمّها على وجهها الصّحيح.
والحاصل: أنّ هذا المقدار يخرم الوثوق بالنّسخ مِن هذه الجِهة، ويضعنا في موضع التّساؤل عن تعيين الصّحيح منها، فلا مناص مِن التّوقف في هذا الأمر، إلى حين الظّفر بما يُفيد في المقام، وعليه: يتّضح عدم تماميّة هذا الإشكال.
ثانياً: أنّ هذا لا يُمكن إثارته إلاّ على نحو الاحتمال؛ بداهة أنّ المُعاصرة لا يلزم منها اشتراك المُتعاصرَيْن في الأخبار التي ينقلوناه، وليس ثمّة إصرار - مِنّا - على النّفي بقدر التّأكيد على كون باب الاحتمالات منفتحاً على عدّة وجوه، ولا سبيل لحسم مادّة اختلافها.
ثانياً: أنّه قد يُقال أنّ السّيد ابن طاووس (قده) لم ينقل عن الكتاب؛ لكونه أتمّه سنة (605 هـ) كما جاء في بعض النّسخ على ما يعكسه واقع بعض طبعات الكتاب، أو سنة (650 هـ) على ما صّرح به المُحقّق الطّهراني (قده) في (الذّريعة)[38]؛ فيظهر أنّ هذا واقع نسخته، بينما السّيد ابن باقي القرشي (قده) أتمّ كتابه سنة (653 هـ) على ما ذكره الميرزا عبدالله الأفندي في (الرّياض)، وغيره[39]؛ وعلى كلا التّقديرين يكون مؤدّاه أنّ كتاب (الإقبال) مُنجز قبل (الاختيار) للسّيد باقي القرشي (قده)، وحينئذ: لا يُتصوّر معه نقل الأوّل عن الثّاني كما لا يخفى.
بيد أنّه يُعكّر ذلك: أنّه في بعض طبعات الكتاب أثبت محقّقها تأريخ الفراغ من (الإقبال) هكذا: (خمس و[خمسون و] ستّمائة)[40]، مِمّا يشي باختلاف النّسخ، واشتمال بعضها على ما بين المعقوفتين.
وعليه: يقوى احتمال نقل السّيد ابن طاووس (قده) عنه، بعد كون كتاب السّيد ابن باقي القرشي (قده) مُتقدّماً عنه في وقت التّصنيف.
والذي يحسم الأمر لصالح أحد تلك التّأريخات على نحو دقيق هو واقع النّسخ الخطّية، فإنْ لم يكن أو كان لصالح تقديم تأريخ (الاختيار)، وتأخير تأريخ (الإقبال) فإنّه يُمكن التّفصي عن الإشكال على كلا التّقديرَيْن بما حاصله: أنّ محض تقدّم كتاب (الاختيار)، لا يلزم منه - بالضّرورة - وقوع النّقل عنه مِن قبل السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال).
نتيجة البحث:
يُمكن الانفصال عن المُقاربات التي قدّمناها في تحقيق دعوى وِحدة الرّوايات وتعدّدها؛ بصحّة دعوى اختلاف الرّوايات الأربع، لا أقل في الجُملة، فيما لو لم يتحصّل الاطمئنان بمقدار المُعطيات المذكورة في محلّها، وإنْ كان لا يبعد أنّ تلك المُعطيات موجبة للتّعدّد، وأمّا ما لم يوثق بتعدّده مِنها؛ فإنّ المُتعيّن هو التّوقّف فيه مِن هذه الجِهة، ولا معنى -حينئذ- للجزم بوحدتها.
والحاصل: عدم صحّة ما أفاده سماحة السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) في أنّ رواية صلاة الرّغائب هي رواية واحدة رواها العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، سواء كان كلامه مبنيّاً على قصور في البحث، بحيث لم يطّلع على غير رواية العلاّمة (قده) في إجازته الرّوائيّة، أو مُستنداً إلى دعوى وِحدة الرّوايات بوجه مِن الوجوه، مع كونها مُخرّجة على يد غير واحد مِن أعلامنا الأعاظم (طيّب الله ثراهم).
قال: (هنا يذكر العلاّمة إجازة رواية، ويذكر الرّواية، رواية عامّية من بعض السّنة حول هذا الأمر، يعني ليلة الرّغائب، ورواية كل سندها مِن العامّة، وآخر السّند يصل إلى أنس بن مالك). (الدّقيقة: 2:55 وما بعدها).
وقال: (شلون أنت تقبل هذه الرّواية؟، رواية كلّ رواتها عامّة، والعامّة همّ ما يقبلونها، والعلاّمة الحلّي نفسه أيضاً لم يقبله ولم يعمل به، ولم يذكره في كُتبه؛ لم يذكر هذا الرّواية في كُتبه الفقهيّة، ولا أحد مِن العلماء القدماء قبلوا هذه). (الدّقيقة: 21:57 وما بعدها).
وكيفما كان؛ فإنّه يقع الكلام مِن جهتَيْن:
وتبعه على ذلك المُحقّق التّستري (قده) (ت: 1416 هـ)، قال في كتابه (النّجعة في شرح اللّمعة) : (فلا عبرة بها فلا بدّ من كونها عاميّة)، و(لا عبرة بها لكون الأصل في روايتها العامّة)[42].
وتطبيق ذلك على ما نحن فيه: أنّ الخبر في التّركة الرّوائيّة الشّيعيّة المُتوفّرة-كما عرفت مِمّا تقدّم- جاء على أنحاء أربعة:
النّحو الأوّل: منقول عن النّبي الأكرم (ص) مباشرة، بلا إشارة إلى كون نَقَلَتِه مِن العامّة، وهي رواية السّيد ابن طاووس (قده) في كتابه (الإقبال).
النّحو الثّاني: الأقرب أنّه في حُكم المنقول عن المعصوم (ع)، وهي رواية العلاّمة الحلّي في (منهاج الصّلاح)، وهي كسابقتها.
النّحو الثّالث: منقول عن النّبي الأكرم (ص) بتوسّط الصّحابي أنس بن مالك، وبسند متّصل إليه ينتهي إلى بعض العامّة، وهي رواية العلاّمة (قده) في إجازته الكبيرة لبني زهرة، وهي الرّواية الوحيدة المقطوع بعامّيتها.
النّحو الرّابع: منقول عن النّبي الأكرم (ص) بتوسّط الصّحابي أنس بن مالك، وهي رواية السّيد ابن باقي القرشي (قده) التي نقلها الشّيخ الكفعمي (قده) في كتابه (البلد الأمين)، إلاّ أنّ الكلام في الطّريق إليه، وكون روايته منقولة عن العامّة.
الأمر الأوّل: أنّها ناظرة إلى خصوص رواية العلاّمة الحلّي (قده) في (الإجازة)، مع قطع النّظر عمّا سواها؛ لعدم الاطّلاع على غيرها أصلاً، وقد عرفت ما في ذلك مِن الإشكال.
والغريب: أنّ مَن حكم بعامّية الرّواية قد وقف على اختلاف مصدرها، فالعلاّمة المجلسي (قده) نقل الخبر في (البحار) عن إجازة العلاّمة الحلّي (قده) بسندها المُشتمل على بعض رجال العامّة، وعن (إقبال) ابن طاووس مُرسلاً.[43]
وكذا: فعل المُحقّق التّستري (قده)، حيث أشار إلى روايتها في (الإقبال)، وإجازة العلاّمة (قده) لبني زُهرة.
إلاّ أنْ يُقال: أنّهما يذهبان إلى اتّحادهما، وكونهما رواية واحدة في واقع الأمر، وهو ما ستأتي مناقشته في (الأمر الثّاني).
الأمر الثّاني: أنّها مُبتنيّة على (الدّعوى الأولى) مِن الدّعاوى الثّلاث التي أفادها سماحته، أعني دعوى: وحدة الرّواية واتّحادها.
ويرد عليه: أنّك قد عرفت عدم تماميّتها بما لا مزيد عليه؛ فإنّ القدر المُتيقّّن مِن مجموع هذه الرّوايات الثّلاث هو: عاميّة رواية العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، دون غيرها، ولا يوجد ما يثبت أنّ سائر الرّوايات مُتحدّة المخرج مع رواية العلاّمة (قده)، والتي هي رواية عامّية بلا كلام؛ لكونها تنتهي إلى رواة السّنة وصولاً إلى أنس بن مالك عن النّبي الأكرم (ص).
الأمر الثّاني: إحراز كون المنقول في جميع موارد نقل الرّواية مصدره العامّة، مع كون الرّويات مُتعدّدة، ومُختلفة المخرج.
ويرد عليه: أنّها دعوى بلا دليل واضح عليها، وعُهدتها على مُدّعيها.
والحاصل: أنّ دعوى عاميّة الرّواية؛ غير مؤكّدة ولا تصحّ بوجه؛ لعدم وجود ما يُمكن أنْ يُركن إليه في المقام، فأيّ محاولة لنسبتها إلى العامّة بالمُطلق لا مجال لقبولها.
الاتّجاه الأوّل: سعة دائرة روايات (مَن بلغ)، بحيث تكون شاملة للأعمّ مِن أخبار الخاصّة والعامّة، وهو خيرة الشّهيد الثّاني (قده) في (المسالك)[44]، والسّيد محمّد الطّبطبائي صاحب المفاتيح (قده)[45]، والمُحقّق النّراقي (قده) في كتابه (عوائد الأيّام)[46]، وهو أيضاً مُختار الشّيخ الأعظم (قده) في رسالته حول قاعدة التّسامح[47]، وتبعهم على ذلك جماعة مِمّن تأخّر عنهم؛ السّيد المرعشي النّجفي (قده) على ما جاء في بعض تقريرات أبحاثه[48]، والمُحقّق السّيد الرّوحاني (دام ظلّه) في (زبدة الأصول)[49]، وغيرهما. [50]
ورُبما يُستظهر مِن كلمات العلاّمة المجلسي (قده) أنّ عادت الأصحاب المُتقدّمين على طريقة الاستناد إلى الأعم مِمّا ورد مِن طرقنا وطرق غيرنا، قال (قده) في (ملاذ الأخيار) : (وهذا شيء ذكره الشّيخ (رحمه الله)، و لم نطّلع فيما وصل إلينا مِن الأحاديث المرويّة مِن طرقنا على ما يتضمّن ذلك، بل أصولنا المتداولة في زماننا خالية عن هذا الاسم أيضاً، لكن مِن عادتهم التّسامح في أدلّة السّنن).[51]
وهو خيرة عدّة مِن أعاظم الفقهاء المُعاصرين على ما يلوح بجلاء مِن تتبّع فتاواهم، ومطالعة كلماتهم.
الاتّجاه الثّاني: اختصاص موضوع تلك الرّوايات فيما ورد مِن أخبار الخاصّة دون غيرهم، وقد ألمع إلى ذلك جماعة، مِنهم: العلاّمة المجلسي (قده)[52]، وهو المحكي عن الشّيخ سليمان الماحوزي (قده)[53]، ورُبما ما تومئ إليه كلمات المُحقّق البحراني (قده)[54]، والظّاهر مِن صاحب الجواهر (قده)[55]، وإليه مال المُحقّق الشّيخ جعفر السّبحاني (دام ظلّه)[56].
وعليه: فإنّه يُمكن تصحيح العمل بأخبارهم بناءً على المسلك الأوّل، وما نحن فيه مِن تطبيقاته، وبذلك يندفع الإشكال كُبرويّاً.
وإليك نصّ كلامه:
قال: (أنا قاطع بأن هذه الرواية مكذوبة). (الدّقيقة: 8:07 وما بعدها).
وقال: (شيء تافهة أصلاً، ما له أساس!). (الدّقيقة: 14:40 وما بعدها).
وقال: (والرّسول أنّه لم يقل هذا الكلام). (الدّقيقة: 18:29 وما بعدها).
أنّ فرض صدور هذا الفضل العظيم، والثّواب الجزيل الذي حظيت به هذا الصّلاة -بحسب ما تُفيده الرّواية المنقولة بشأنها- عن النّبي (ص) لا ينسجم مع واقع عدّة أمور:
الأمر الأوّل: عدم حثّ أئمّة أهل البيت (عليهم الصّلاة والسّلام) شيعتهم على ممارسة هذه العبادة، والعمل بهذه الصّلاة على طِبق ما جاء في خبرها، مع كون المعهود مِن طريقتهم أنّهم لا يألون جُهداً في هذا السّبيل.
الأمر الثّاني: غياب حتّى الرّواية الضّعيفة عنهم (عليهم الصّلاة والسّلام)، بل وشديدة الضّعف أيضاً، كالتي ينقلها الكذّابون.
الأمر الثّالث: عدم قبول مُتقدّمي أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) للرّواية، وإغفالهم إياّها في مدوّناتهم الفقهيّة القديمة.
ثم أردف أمرَيْن آخرَيْن، ولعلّهما على سبيل التّأييد، أو الرّد على مَن زعم اعتمادها مِن قِبل العلاّمة (قده)، أو العامّة، وهما - بمراعاة التّرتيب الآنف- :
الأمر الرّابع: عدم قبول علماء العامّة للرّواية، بالرّغم مِن كونها مرويّة مِن طُرقهم.
الأمر الخامس: إعراض العلاّمة الحلّي (قده) عن هذه الرّواية، فلا نجده يذكرها في كُتبه الفقهيّة، ولا يقبلها، ولا يعمل بها.
وإليك نصّ كلامه (حفظه الله) :
قال: (الدّليل أنّه لو كان هناك ليلة من ليالي رجب، يعني مثلاً أول جُمعة مِن رجب بهذه الدّرجة مِن الأهمّية، وهذه الصّلاة المذكورة هنا في هذه الرّواية، وهذا الثّواب الجزيل، وأنّ هذه الليلة الملائكة تُسمّيها ليلة الرّغائب؛ لأنّ الإنسان يصل إلى كل رغائبه في هذه الليلة إذا مثلاً صلّى هذه الصّلاة، ودعا بهذا الدّعاء إلى آخر هذه الأعمال، أئمتنا ليش ما حثّوا الشّيعة، ولا مرّة، يعني إحنا نشوف بأنّ الأئمّة مهتمّين بحث الشّيعة على هذه الأعمال، مثلاً في ليالي القدر، في يوم وليلة عرفة، في النّصف مِن شعبان، ليالي شهر رمضان، يعني هذا شيء الأئمّة مُهتمّون به، والأصحاب أيضاً؛ أصحاب الأئمّة، يعني ولا رواية حتّى ضعيفة، حتّى رواية ينقلها كذّابون -زين- ما أكو في كُتبنا، كيف مُمكن؟ كيف ممكن أنّ هذه اللّيلة بهذه الدّرجة مِن الأهمّية، وأئمّتا أصلاً لم يذكروا شيئاً! والرّواة لم ينقلوا شيئاً! وحتّى العُلماء؛ عُلماء السّلف ما ذكروا هذه الصّلاة في كُتبهم نهائيّاً) (الدّقيقة: 8:17 وما بعدها).
وقال: (ما موجود هذه الرّواية، ولا هذه الصّلاة، ولا الحثّ على هذه الصّلاة في أيّ كتاب مِن كُتب الفقه القديمة، ما كو!، حتّى العلاّمة نفسه!، العلاّمة الحلّي بنفسه أيضاً لم يذكر في أيّ كتاب مِن كُتبه الفقهيّة هذا الأمر!). (الدّقيقة: 11:21 إلى: 11:46).
وقال: (أيّ عالم مِن عُلماء الفقه الشّيعي القديم اعتمد أو ذكر؟ ما أكو ولا واحد!، لا مذكور في كُتب الحديث!، ولا في كُتب الفقه!). (الدّقيقة: 12:03 إلى: 12:18).
وقال: (والرّسول أنّه لم يقل هذا الكلام، لو كان قائل؛ كان الأئمّة على الأقل يذكرون في رواية، روايتين، يهتمّون، ليش ما أكو ولا رواية؟ ، كيف يكون هذا الحديث صحيح؟ مِن أين؟ أيّ احتمالات؟) . (الدّقيقة: 18:30 وما بعدها).
وقال: (شلون أنت تقبل هذه الرّواية؟، رواية كلّ رواتها عامّة، والعامّة همّ ما يقبلونها، والعلاّمة الحلّي نفسه أيضاً لم يقبله ولم يعمل به، ولم يذكره في كُتبه؛ لم يذكر هذا الرّواية في كُتبه الفقهيّة، ولا أحد مِن العلماء القدماء قبلوا هذه). (الدّقيقة: 21:57 وما بعدها).
إلاّ أنّه يُمكن أنْ يُجاب عن ذلك، بنائيّاً تارة، ومبنائيّاً تارةً أخرى:
ومعه: يُمكن التّفكيك بين الرّوايات نفسها تارة، وبين مُفردات وعناصر مضامين كل رواية مُنفردة تارة أخرى، وهو تفكيك واحد في حقيقته، لرجوع أحدهما إلى الآخر، فتأمّل.
وكيفما كان؛ فإنّه يمكن تقريب ما تقدّم بالنّحو الآتي:
أمّا التّفكيك على مستوى الرّويات نفسها: ففيما لو قُلنا -مُسَلِّمين- أنّ الرّوايات الموضوعة هي خصوص ما كانت مُشتملة على هذا القدر مِن الثّواب الجزيل، وأمّا ما لم تكن كذلك فإنّ دواعي النّقل تنخفض.
ومعه: يُمكن أنْ نتصوّر غياب هذه الرّوايات واندراسها؛ نتيجة قلّتها، وعدم تواطؤ الدّواعي وتوافر الهِمم لنقلها، وبثّها، فلا تقاوم -حينئذ- عوامل الاندراس والضّياع.
وحينئذ: تكون رواية جابر الجعفي (رض)، والتي جاءت مُجرّدة عن قدر كبير مِن الثّواب سالمة عن شُبهة الوضع، بل المفروض أنّه لا يوجد ما تُصَحّح به دعوى الوضع، بعد كونها -أي دعوى الوضع- قد ارتكزت على حيثيّة عدم الانسجام والتّكافؤ بين الثواب الجزيل وغياب الرّواية عن المشهد الرّوائي للأئمّة (عليهم الصّلاة والسّلام).
وأمّا التّفكيك على مستوى كل رواية بحدّها: فيفما لو افترضنا أنّ الرّواة كذبوا في خصوص المقدار المذكور مِن الثّواب؛ إذْ لو كان الأمر على طِبق ما ذكروه؛ لتكثّرت الدّواعي بما لا يُتصوّر معه -عادةً- عدم العثور على رواية عنهم (عليهم الصّلاة والسّلام) تفيد الحثّ على هذه الصّلاة.
وحينئذ: يكون القدر المُتيقّن مِن المكذوب في الخبر هو حجم الثّواب العظيم الذي يُصاحب نقل هذه الصّلاة وكيفيّتها، وأمّا المقدار المُشتمل على هذه الصّلاة فهو بمنأى عن الكذب والوضع.
وكل ذلك ناظر إلى ملاحظ الرّوايات بمجموعها؛ أعني رواية جابر الجعفي (رض) مضمومة إلى سائر الرّويات.
والحاصل: أنّ بعض الرّوايات، وهي رواية جابر الجُعفي (رض) خارجة تخصّصاً عن الكُبرى التي يستند إليها سماحته في بناء رؤيته، وهي بذلك تجوز القنطرة ولا يمسّها الإشكال، وبعدُ مِن خلالها يُمكن إزاحة الإشكال عن سائر الرّويات بالقدر المُشترك بينها وبين تلك الرّواية.
الوجه الأوّل: أنّ القاعدة العُقلائيّة (لو كان لبان) المعمول بها في خصوص ما لو كانت المسألة تمسّ ما يهتمّ به العموم؛ ليس على إطلاقها، مِن جِهتَيْن:
الجِهة الأولى: ينبغي -بحسب رأيي القاصر- أنْ يُلاحظ في مقام تطبيقها عدم وجود بدائل تُغْني عن المنقول، إمّا لكون سقف ثوابها أعلى، أو لكونه مُكافئاً، خصوصاً فيما لو كان البديل أيسر وأقلّ حزازة على المُكلّف -ولو في الجُملة-.
ولا يخفى كميّة الأعمال والطّاعات مِن المُستحبّات والواجبات التي لها من الفضل الكثير والثّواب الجزيل غير (صلاة الرّغائب)، والتي تُضاهي ثوابها، بل وتفوقه وتتجاوزه بمراحل، والتي يضيق المقام عن استيعابها، واستيفاء ذكرها، ولكن لا بأس باستعراض طرف منها بإزاء ما هو موجود في (صلاة الرّغائب) :
فمِن ثواب (صلاة الرّغائب) المذكورة في الخبر محلّ البحث، وله نظائر في أعمال بمجموعها أيسر بكثير منها:
1- غُفران جميع الذّنوب ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال، وعدد ورق الأشجار.
ومن نظائره في عمل أيسر منها:
أ- ما رُوي عن الإمام الرّضا (ع)، (بسند مُعتبر) : (من استغفر الله تبارك وتعالى في شعبان سبعين مَرّه غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل عدد النّجوم).[57]
ب- ما رُوي عن الإمام الصّادق (ع)، (بسند حسن) : (من ذكرنا وذكرنا عنده فخرج مِن عينه مثل جناح الذّبابة غفر الله ذنوبه ولو كانت أكثر مِن زبد البحر)[58].
2- أنّ مُصلّيها يشفع يوم القيامة في سبع مائة مِن أهل بيته مِمّن قد استوجب النّار.
ومن نظائره في عمل أيسر منها:
عدّة روايات، منها: حديث مناهي النّبي (ص) المشهور، والمروي في عدّة مصادر مُعتبرة أبرزها (من لا يحضره الفقيه) للشّيخ الصّدوق، فقد جاء فيه عنه (ص) : (ألا ومن أذّن محتسباً يريد بذلك وجه الله عزّ وجلّ أعطاه الله ثواب أربعين ألف شهيد، وأربعين ألف صِدّيق، ويدخل في شفاعته أربعون ألف مسيء مِن أمتي إلى الجنّة)[59].
3- تسلية هذه الصّلاة لصاحبها في وحشة قبره
وله نظائر في عمل أيسر بكثير أيضاً مِن هذه الصّلاة، منها:
أ- ما رُوي عن الإمام الباقر (ع)، (بسند حسن) : (ومن قرأها -أي سورة المُلك- إذا دخل عليه في قبره ناكر ونكير من قبل رجليه قالت رجلاه لهما ليس لكما إلى ما قبلي سبيل قد كان هذا العبد يقوم علي فيقرأ سورة الملك في كل يوم وليلة وإذا أتياه من قبل جوفه قال لهما : ليس لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان هذا العبد أوعاني سورة الملك وإذا أتياه من قبل لسانه قال لهما : ليس لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان هذا العبد يقرأ بي في كل يوم وليلة سورة الملك)[60].
ب- ما رُوي عن الإمام الباقر (ع)، (بسند مُعتبر) : (مَن أتمّ ركوعه لم تدخله وحشة في القبر)[61].
4- أنّ هذه الصّلاة تقي صاحبها مِن أهوال القيامة، فقد ورد في الخبر المذكور، أنّها تُخاطب صاحبها في قبره، فتقول: (فإذا نفخ في الصور ظللت في عرصة القيامة على رأسك فأبشر).
وله نظائر في أعمال أيسر أيضاً:
أ- ما رُوي عن الإمام الرّضا (ع) ، (بسند مُعتبر) : (مَن قال في كل يوم مِن شعبان سبعين مرّة : (استغفر الله واسأله التوبة)؛ كتب الله تعالى له براءة مِن النّار، وجوازاً على الصّراط، وأحله دار القرار)[62].
بقي فضل ذكره سماحة السّيد (حفظه الله تعالى) في مُعرض حديثه حول هذه الصّلاة، وقد نقلنا نصّه سابقاً، ولا بأس بنقله هنا مرّة أخرى لتسهيل مُتابعة القارئ:
قال (حفظه الله تعالى): (وأنّ هذه الليلة الملائكة تُسمّيها ليلة الرّغائب؛ لأنّ الإنسان يصل إلى كل رغائبه في هذه اللّيلة إذا مثلاً صلّى هذه الصّلاة).
أقول: إلاّ أنّ ما أفاده (حفظه الله تعالى) في غير محلّه؛ لأنّ الرّوايات لا تتحدّث عن شيء مِِن ذلك أصلاً، ونصّت على أنّ منشأ التّسميّة هو شيء آخر غير ما أفاده (سماحته)!، ولم أظفر بشيء يدلّ عليه!
وإليك مقدار ما اشتملت عليه الرّواية في هذا الخصوص، وهو قول النّبي (ص) -بحسب الرّواية-: (ليلة تسميها الملائكة ليلة الرّغائب، وذلك أنّه إذا مضى ثلث اللّيل لا يبقى مَلَك في السّماوات والأرض إلاّ ويجتمعون في الكعبة وحواليها، ويطلع الله عليهم اطلاعة فيقول لهم: يا ملائكتي سلوني ما شئتم، فيقولون: ربّنا حاجاتنا إليك أنْ تغفر لصوام رجب، فيقول الله عزّ وجلّ: قد فعلت ذلك)[63]
الوجه الثّاني: أنّ توفّر دّواعي النّقل وتكثّرها يُمكن أنْ يُتصوّر في خصوص بعض الطّبقات الأولى، ثمّ لمّا تمّ التّحفّظ على المنقول والاطمئنان على سلامته مِن الضّياع والاندراس، اُكتُفي به، فتلاشت الدّواعي على إثره، إلاّ أنّ تصرّف الزّمان، وتقلّباته، ونكباته أودى بالمنقول فأعدمه بعد ذلك، لا سيّما مع ما هو معلوم بالضّرورة مِن فقدان مقدار هائل مِن الموروث الرّوائي؛ مِن مدوّنات مُتمحضّة بالرّواية، ومُصنّفات فقهية مُشتملة عليها في الجُملة، جرّاء ما أحدثته الضّروف الموضوعيّة القاسية التي اكتنفت المدرسة الشّيعيّة وحواضرها العِلميّة بصفة كُلّيّة.
وفي نصّ مُعبِّر يقول العلاّمة المجلسي الأوّل (قده) : (كانت الأصول عند ثقة الإسلام، ورئيس المُحدّثين، وشيخ الطّائفة، وجمعوا منها هذه الكتب الأربعة، ولمّا أُحرقت كتب الشّيخ وكتب المفيد ضاعت أكثرها، وبقي بعضها عندهم حتّى أنّه كان عند ابن إدريس طرف منها، وبقي إلى الآن بعضها، لكن لمّا كان هذه الأربعة كتب موافقة لها وكانت مرتبة بالتّرتيب الحسن ما اهتموا غاية الاهتمام بشأن نقل الأصول)[64].
وفي نصّ دالّ يطل على المشهد ويقترب من تفاصيله أكثر، يقول العلاّمة المجلسي الثّاني (قده) : (بعد الإحاطة بالكتب المتداولة المشهورة تتبّعت الأصول المعتبرة المهجورة التي تركت في الأعصار المتطاولة والأزمان المتمادية إمّا: لاستيلاء سلاطين المخالفين وأئمّة الضّلال، أو: لرواج العلوم الباطلة بين الجُهّال المُدّعين للفضل والكمال، أو : لقلّة اعتناء جماعة مِن المُتأخّرين بها، اكتفاءً بما أُشتهر منها؛ لكونها أجمع، وأكفى، وأكمل، وأشفى مِن كل واحد منها... حتّى اجتمع عندي بفضل ربي كثير مِن الأصول المُعتبرة التي كان عليها معوّل العُلماء في الأعصار الماضية، وإليها رجوع الأفاضل في القرون الخالية، فألفيتها مشتملة على فوائد جمّة خلت عنها الكتب المشهورة المُتداولة، واطّلعت فيها على مدارك كثير مِن الاحكام اعترف الأكثرون بخلو كلّ منها عمّا يصلح أنْ يكون مأخذاً له).[65]
أقول: ومِمّا يستوقفنا -مثلاً- في القرن الثّالث الهجري فقط ضياع مقدار هائل مِن التّركة الرّوائية، وفيه قسم كبير مِمّا يرتبط بالصّلاة، والدّعاء، وإليك بعض ذلك:
1. محمّد بن سليمان بن الحسن أبو طاهر الزّراري (قده)، له كتب، منها: كتاب الدّعاء، لم يصل[66] منها شيء!
2. إبراهيم بن محمّد الثّقفي (قده) له كتب كثيرة في التاريخ والفقه والتفسير والعقائد تربو على الخمسين كتاباً، منها: الجامع الكبير في الفقه، والجامع الصغير، وهي مِن المفقودات.
3. وسعد بن عبدالله الأشعري القمي (قده) له كتب كثيرة في الفقه والحديث، مذكورة في الفهارس، كتاب الصّلاة، والمنتخبات في نحو من ألف ورقة، وكتبه من المفقودات، ولم يصلنا إلاّ جزءً يسيراً تم انتخابه من كتاب بصائره.
4. محمّد بن الحسن الصّفار القُمّي (قده) له كتب كثيرة في الفقه والحديث مذكورة في الفهارس، ولم يصلنا سوى كتاب بصائر الدّرجات!
5. محمّد بن خالد البرقي (قده)، له كتب كثيرة في الفقه والحديث منها: كتاب يوم وليلة، لم يصلنا منها شيء!
6. محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه، المُلقّب ببندار (قده) له عدّة كتب الفقه والحديث، منها: كتاب المشارب الذي قصد فيه أنْ يعرف حديث رسول الله (ص)، لم يصلنا من آثاره شيئاً!
7. محمّد بن علي بن محبوب الأشعري القُمّي (قده)، له كتب كثيرة في الفقه والحديث، منها: كتاب الصّلاة، لم يصلنا منها شيء!
8. أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (قده)، له عدد كبير جداً من الكتب في الفقه والحديث، منها: كتاب الدّعاء، لم يصل منها شيء، سوى الرّجال وجزء من كتاب المحاسن.
9. علي بن الحسن بن علي بن فضال (قده) ، له كتب كثيرة جداً، منها: كتاب الصّلاة، وكتاب الدّعاء، لم يصل منها شيء!
10. محمّد بن أورمة القُمّي (قده)، له كتب كثيرة جداً، منها: الصّلاة، الدّعاء، لم يصل منها شيء!
11. محمّد بن عبّاس بن عيسى (قده) ، له عّدة كتب في الفقه والحديث، منها: كتاب الدّعاء، لم يصل منها شيء!
أقول: والقائمة تطول فيما لو انتقلنا إلى القرن الرّابع، واقتفينا آثاره كذلك، ولكن لا بأس بالإشارة إلى بعض العلامات الفارقة، فمِن ذلك مثلاً:
1. أحمّد بن محمّد بن الحسين بن دُؤْل القُمّي (قده) له كتب كثيرة جداً بلغت مئة كتاب، منها كتاب الصّلاة، والسّنن، والدّعاء، لم يصل منها شيء!
2. علي بن حاتم بن أبي سهل القزويني (قده)، له نحو من ثلاثين كتاباً على ترتيب كتب الفقه، ويوم وليلة، وغيرها كثير، لم يصلنا منها شيء!
3. علي بن الحسين بن بابويه القُمّي (قده)، والد الشيّخ الصّدوق (قده)، صنّف كتباً كثيرة منها الشّرائع، الصّلاة، التّفسير، قرب الإسناد، لم يصلنا منها إلاً الإمامة والتّبصرة من الحيرة.
4. علي بن حمّاد الشّاعر العدوي (قده)، له تصانيف كثيرة جداً، منها الصّلاة، وشرائع الإسلام، لم يصل منها شيء!
5. الشّيخ الصّدوق (قده) صنّف نحواً مِن ثلاثماءة مصنّف، منها كتابه الكبير مدينة العلم، الذي جعله والد الشّيخ البهائي (قده) من الأصول الخمسة[67] مُنضماّ مع الكتب الأربعة (الكافي، والفقيه، والتهذيب، والاستبصار)، لم يصل، ولم يصل من كتبه إلاّ النّزر اليسير!
6. محمّد بن مسعود العيّاشي (قده) له ما يزيد على مائتي كتاب في أكثر الفنون وشتّى العلوم، لم يصلنا سوى منتخب تفسيره فقط!
أقول: وإذا رجعنا قليلاً إلى القرن الخامس الهجري، فسيواجهنا في طليعة أصحاب المفقودات:
1. الشّريف المرتضى (قده)، ألّف كتباً كثيرة، قيل بلغت تسعة وثمانين كتاباً، لم يصل منها إلاّ القليل جداً!
2. محمّد بن علي بن عثمان أبو الفتح الكراجكي (قده)، له عدّة كتب، قيل بلغت ثمانية وثمانين كتاباً، منها: البستان في الفقه، مفقود، وأمّا سائر كتبه لم يصل منها سوى القليل جداّ.
3. الشّيخ المُفيد (قده) صنّف كتباً كثيرة جداً، تبلغ مئة وأربعة وسبعين كتاباً، وقيل تجاوزت المئتين، ولم يصل منها سوى أقلّ القليل.
أقول: إنّ المُطالعة والتّفتيش يكاد يورث قطعاً بأنّ أيّ دعوى في القطع بعدم وجود رواية ما عنهم (صلوات الله وسلامه عليهم) لا تخلو مِن مُجازفة؛ فلا يصحّ الاكتفاء بما هو مطبوع ومُتداول في الأسواق لتكوين قناعة قاطعة بعدم الصّدور في ظلّ مثولنا أمام حقيقة فقدان وضياع الكُتب والآثار.
والمُتحصّل: أنّه لا سبيل للجزم بعدم صدور شيء مِن الأئمّة (صوات الله وسلامه عليهم) في ظل وجود ذلك الهدر الذي تعرّض له الموروث الرّوائي والفقهي مع بالغ الأسف!
الوجه الثّالث: وهو مِن مُتفرّعات الوجه الثّاني، سوى أنّ الثّاني كان ثبوتيّاً، وهذا الوجه إثباتيّاً إلى حدّ ما، وحاصله:
أنّ عدم الظّفر بشيء مِن الرّوايات في حدود المصادر والمدوّنات المُتاحة في هذه الأزمنة لا يقضي بأنّ ما كان موجوداً في زمن السّيد ابن طاووس (قده) مثلاً فهو محكوم بالوضع بحجّة أنّ لا أثر له في الرّوايات التي بين أيدينا، وأنّ أوّل ظهور فِعلي للرّواية الكذائيّة كان في القرن السّابع الذي احتضن طبقة السّيد ابن طاووس (قده) وزملاءه ومشايخه، وبصحبة دعوى عريضة تتضمّن نفي وجود الرّواية عند القدماء بضرس قاطع!، وبالتّالي يُجزم بكونها مُختلقة! أو تمّ تسريبها إلى موروثنا الرّوائي! ، وتسلّلها إلى الوعي الشّيعي! ، ونفوذها إلى الثّقافة الشّيعيّة! ، وما شأنه أنْ يُحدث استيحاشاً مِن مثل نقل السّيد ابن طاووس (قده) ومَن كان في طبقته، ولو بالاستناد إلى مثل ما ذكره سماحة السّيد (حفظه الله تعالى) في المقام، وهو: عدم الانسجام بين عِظَم الثّواب وغياب الخبر، وكون للخبر موطئ قدم في محيط الخطّ السّني، وإنّي لا أرى هذا إلاّ خلطاً بين مقامي الثّبوت والإثبات.
والسّر في ذلك: مُضافاً لما ذكرناه في (الوجه الثّاني) ؛ أنّ السّيد ابن طاووس (قده) وأمثاله يتوفّر على ما لا سبيل لنا إليه، مِن مصادر وكُتب المُتقدّمين من أصحابنا الإماميّة (نوّر الله برهانهم، وأعلى كلمتهم)، وبلورة هذه الفكرة تستدعي منّا أنْ نعقد مبحثاً مُختصراً يختزل الموقف، ويعيد ترتيب مواقعه، ورسم ملامحه بما يلتقي مع الواقع ويُلامس الحقيقة بعيداً عن الاستبعادات والاستحسانات، وبما يرفع الاستيحاش عن نقولات السّيد ابن طاووس (قده)، ويُسهم في دفع تُهمة الوضع عمّا ينقله.
لماذا ينفرد أمثال السّيد ابن طاووس (قده) بنقل بعض الأعمال والأدعيّة مِمّا لا نجده في سائر المصادر المُتقدّمة عليه؟
والجواب عن ذلك: أنّه (قده) كان يتوفّر على مكتبة عظيمة في حاضرة الحلّة مِن أرض العراق[68]، تشتمل على عدد كبير جِدّاً مِن كُتب الأدعيّة، ويظهر أنّها لم تكن جميعها عند غيره.
قال (قده) في كتابه (كشف المحجّة)، الذي فرغ منه في سنة 649 هـ : (وهيّأ الله جلّ جلاله عندي عدّة مجلدات في الدّعوات، أكثر من ستين مجلداً، فالله في حفظها والحفظ من أدعيتها، فإنّها من الذّخائر التي يتنافس عليها العارفون في حياطتها، وما أعرف عند أحد كثرتها وفائدتها).[69]
ثمّ ما لبث أنْ ارتفع عدد كتب الأدعيّة ليصل إلى سبعين مجلّداً قبل وفاته بسنتين تقريباً، حين كان يؤلّف كتابه (مُهج الدّعوات)، حيث يقول: (هذا آخر ما وقع في الخاطر أنْ أثبته من الأدعية في الحال الحاضر في كتاب مُهج الدّعوات ومنهج العنايات، ولو أردنا إثبات أضعافه، وكلما عرفناه، كنّا خرجنا عمّا قصدناه؛ فإنّ خزانة كتبنا في هذه الأوقات أكثر من سبعين مُجلداً في الدّعوات، وإنّما ذكرناه ما يليق بهذا الكتاب).[70]
ولذا قال المُحقّق الطّهراني (قده) : ( فظهر أنّ جميع ما أورده السّيد مِن الأدعيّة والأعمال في عشرة مجلّدات كتابه التّتمات-أقول: والذي مِنه (الإقبال)- كلّها منقول مِن تلك الكتب الكثيرة التي لم يهيأ لأحد قبله ولا بعده).[71]
أمثلة وتطبيقات على ما وصل إلى السّيد ابن طاووس (وقده)، ولم يصلنا:
إليك بعض النّماذج الواضحة التي تخدم الفكرة، والتي قادني إليها التّتبع :
النّموذج الأوّل: الشّيخ محمّد بن الحسن الصّفار القُمّي (قده)، له كتاب (الدّعاء)[72]، و(فضل الدعاء)، وهي مِن جُملة مفقودات التّراث الشّيعي العظيم.
ويظهر أنّهما كانا عند السّيد ابن طاووس (قده)، حيث ينقل عن الأوّل في كتابه (مهج الدّعوات)[73]، وعن الثّاني في كتابه (الإقبال)[74]، و(محاسبة النّفس)[75]، و(مهج الدّعوات).[76]
كما يظهر أنّ الثّاني أيضاً عند الكفعمي (قده) (ت: 950 هـ) ، حيث ينقل عنه في كتابه (المصباح).[77]
على أنّ كتاب (فضل الدّعاء) لم أظفر بذكر له في (فهرست) الشّيخ والنّجاشي (قدهما)، ولم يذكر عنه العلاّمة الطّهراني في كتابه (الذّريعة)[78] شيئاً سوى ما استفاده (قده) من نقل ابن طاووس والكفعمي عنه، وكيفما كان؛ فإنّه غير بعيد؛ إذْ لا يدّعي الشّيخ والنّجاشي (قدهما) استيفاء جميع كتب ومصنّفات الأصحاب.
يقول الشّيخ في مقدّمة (الفهرست) : (فإذا سهل الله تعالى اتمام هذا الكتاب ، فإنه يطلع على أكثر ما عمل من التّصانيف والأصول، ويعرف به قدر صالح من الرّجال وطرائقهم، ولم أضمن أنّي أستوفى ذلك إلى آخره، فإنّ تصانيف أصحابنا وأصولهم لا تكاد تضبط لانتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض)[79].
ويقول النّجاشي (قده) : (وقد جمعت من ذلك ما استطعته، ولم أبلغ غايته، لعدم أكثر الكتب، وإنّما ذكرت ذلك عذراً إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره).[80]
النّموذج الثّاني: الشّيخ سعد بن عبدالله الأشعري القُمّي (قده)، مِن جُملة كتبه المفقودة (فضل الدّعاء والذّكر)، و(الدّعاء)، مذكوران في (فهرست) الشّيخ النّجاشي (قده)[81]
نقل عن الأوّل السّيد ابن طاووس (قده) في كتابه (مُهج الدّعوات)[82]، و(الإقبال)[83]، ونقل عن الثّاني في (الأمان من أخطار الأزمان والأسفار)[84]، و(فتح الأبواب)[85]، و(مُهج الدّعوات).[86]
النّموذج الثّالث: الشّيخ الصّدوق (قده)، كان عنده كتاباً كبيراً بعنوان (مدينة العِلم) أكبر مِن كتاب (لا يحضره الفقيه)!، بشهادة شيخ الطّائفة (قده) في (الفهرست)[87]، كما ذكره الشّيخ النّجاشي (قدهما) في فهرسه[88] أيضاً، وكان متداولاً في زمن والد الشّيخ البهائي (قده) (ت: 984 هـ)، كما ذكرنا فيما مضى، وقد جعله (قده) مِن الأصول الخمسة[89]، وهذا الكتاب كان قبل ذلك متوفّراً في زمن السّيد ابن طاووس (قده)، حيث نجده ينقل عنه في كتابه (فلاح السّائل).[90]
النّموذج الرّابع: شيخ الطّائفة الطّوسي (قده)، فمن كتبه المفقودة حتى الآن كتابه (هداية المُسترشد وبصيرة المتعبّد)، ذكره في (الفهرست).[91]
وهذا الكتاب -بحسب ما تتبعته- على ما تشهد به بعض الإجازات التي أثبتها العلاّمة المجلسي (قده) في آخر (البحار)؛ كان عند السّيد محيي الدّين محمد بن عبدالله بن زهرة الحلبي (قده)[92] (ت: حدود 638 هـ)، وصله يداً بيد اتصالاً بالشّيخ نفسه (قده)، فقد رواه عن أبيه (قده)، عن عمّه السّيد أبي المكارم (قده)، عن السّيد أبي منصور النقاش، عن ابن الشّيخ الطّوسي، عنه (قدهم)[93].
وهو من جملة ما وصل للسّيد ابن طاووس (قده)، حيث نقل عنه في كتابه (فتح الأبواب)[94].
النّموذج السّادس: الشّيخ محمّد بن هارون التلعكبري (قده) ، وهو مُعاصر الشّيخ النّجاشي (قده)، وقيل أنّ له كتاباً بعنوان: (مجموع الدّعوات) أو (مجموع التلعكبري)[95]، نقل عنه السّيد ابن طاووس (قده) في (مُهج الدّعوات)[96]، والشّيخ الكفعمي (قده) في (المصباح).
النّموذج السّابع: الشّيخ محمّد بن علي الطّرازي، الذي قيل أنّه في طبقة الشّيخ النّجاشي (قده) مِن المُتقدّمين، ذكر المُحقّق الطّهراني (قده) في (الذّريعة)، و(طبقات الشّيعة) أنّ له كتاباً بعنوان: (الدّعاء والزّيارة). [97]
أقول: لم يتّضح لي المُستند الذي لاحظه المُحقّق الطّهراني في إثبات اسم كتابه، فالقدر المُتيقّن أنّ له كتاباً ينقل عنه السّيد ابن طاووس (قده) جُملة من الأدعيّة والزّيارات، وهو أعمّ مِن كون كتابه مُخصّصاً لذلك، أو أنّه بهذا الاسم.
وكيفما كان؛ فإنّ السّيد ابن طاووس نقل عنه كثيراً في كتابه (الإقبال)[98]، ونقل عنه في (جمال الأسبوع).[99]
أقول: ويقع الجواب في مطلبَيْن:
المطلب الأوّل: تفكيك إفادة سماحة السّيد (حفظه الله تعالى)
يُستفاد مُن كلام سماحته (حفظه الله تعالى) أنّه يرتكز على أمر مركّب مِن مجموع حيثيّتَيْن:
الأوّلى: عدم تعرّض قُدماء الفقهاء لصلاة الرّغائب.
الثّانية: عدم قبولهم إيّاها.
الأوّل: أنّ عدم حضور رواية (صلاة الرّغائب) في الجوّ الفقهي السّائد عند مُتقدّمي الفقهاء، وغياب أثرها عندهم (رضوان الله تعالى عليهم) يكشف كشفاً إنّيّاً عن وضع الرّواية واختلاقها في قرون مُتأخّرة.
الثّاني: أنّ لذلك كاشفيّة عن كونها موضوعة في زمن مُتقدّم، فوضعها هو ما دفع قدُماء الأصحاب إلى عدم ذكرها والتّعرض لها في كُتبهم، مع كونها كانت في نطاق اطّلاعهم، وبمرأى منهم ومسمع.
وبكلمة أخرى: أنّ الخبر كان موجوداً في زمن مُبكّر، إلاّ أنّ القُدماء لم يعتنوا به، وحينئذ: يكون عدم تعرّضهم له موجباً للحُكم بوضعه عندهم.
على أنْ يُضمّ لكلا الأمرَيْن سائر القرائن المذكورة، وهي حسب الفرض قرينتان، درسناهما بما لا مزيد عليه فيما مضى.
والحقّ: أنّه على كلا التّقديرَيْن؛ لا يتمّ الإشكال، وبيانه:
أمّا على التّقدير الأوّل: فإنّ عدم تعرّض القُدماء لا يوجب القطع بعدم وجود الرّواية عندهم؛ ضرورة أنّ موجب عدم التّعرض أعمّ من ذلك وغيره؛ ولذا يقول المُحقّق السّيد البروجردي (قده) -على ما جاء في تقرير بعض أبحاثه- : (وجود الفتاوى في المسألة يستكشف النّص، لا أنّ مِن عدمها انكشف عدم النّص، كما لا يخفى).[100]
ولا يخفى أنّ القرائن المذكورة لا تقتضي تعيين شيء مِن العرض العريض مِن أسباب عدم التّعرض وموجباته، على أنّها موهونة كما اتّضح في محلّه.
وأمّا على التّقدير الثّاني: فالجواب في عدّة أمور:
أوّلاً: أنّ محض عدم تعرّض القُدماء لهذه الصّلاة في مجاميعهم الفقهيّة لا يوجب في نفسه القدح في الرّواية، بعد كون الأسباب والدّواعي مُتكثّرة لا يُمكن اختزالها بدعوى أنّ وهناً طرأ على الرّواية، ولا تفيد سائر القرائن الأخرى المذكورة في إرجاع عدم التّعرض إلى اشتمال الرّواية (سنداً أو متناً) على ما يوجب القدح بها.
ثانياً: أنّ عدم قبولهم لها؛ مِمّا لا سبيل لإحرازه، إلاّ بدعوى أنّ عدم تعرّضهم كاشف عن عدم القبول، ومِن ثمَّ يكشف عن ثمّة خلل يعتري الرّواية، إلاّ أنّ هذا غير ناهض في نفسه؛ إذْ عدم التّعرض أعم مِن هذا وغيره، ولا يوجد ما يدل على التّلازم بينهما، *ومرّ الجواب عنه في (أوّلاً).
اللّهم إلاّ أنْ يُراد: ما يُصطلح عليه في الأدبيّات الفقهيّة بـ(إعراض المشهور)، الموجب للخِدشة في الرّواية.
إلاّ أنّ: هذا خلطٌ بين الإعراض وعدم التّعرض، فإنْ كان مُراده (حفظه الله تعالى) الأوّل؛ فإنّه وإنْ كان موجباً لسقوط الحُجيّة؛ لكونه كاشفاً عن وهن الخبر -كما عليه جماعة من الأعاظم- ، إلاّ أنّ القدر المُتيقن من مفاده أنّه كاشف عن وجود خلل -على الجملة- في سنده؛ ما يُفقدنا معه ما يُثبت الصدور، فيقدح في الوثوق بصدوره، وهو لا يُساوق أنْ يكون الخلل مِن قبيل وضع الخبر وكذبه، فقد يكون منشؤه هو الضّعف بإحدى مراتبه دون مرتبة الوضع والكذب، وهذا المقدار من وهن السّند، ولا يوجد في البين ما يُشخّص مرتبة الضّعف على حدّ التّعيين، والخِدشة فيه ليس مانعاً من كونه مشمولاً بقاعدة التّسامح في أدلّة السّنن أو موضوعاً لإجراء رجاء المطلوبيّة، واحتمال أنّ منشأ الإعراض غير ثبوت وضعه؛ متين ليس ثمّة ما يدفعه، فلاحظه.
وإنْ كان مُراده (حفظه الله تعالى) الثّاني؛ فإنّه -كما قُلنا- لا علاقة له بتبعات الأوّل!
موقف المُتقدِّمين مِن صلاة الرّغائب (رصد وتحليل) :
وإبداء الرّأي بهذا الشّأن على نحو دقيق يتطلّب استعراضاً فاحصاً للمُنجز الفقهي عند المُتقدّمين، ومُلاحقة نتائج اشتغالات الفقهاء في تلك المرحلة فيما يرتبط بما نُرشّح أنْ نسمّيه هنا بصلوات الشّهور؛ فنسترشد بذلك إلى تصوّر يُقارب النّسق الفقهي عندهم، والذي يُمكن مِن خلال انتزاع موقفهم مِن مسألة صلاة الرّغائب، وما يترتّب على ذلك من نتائج لها مدخليّة في مسار البحث.
وأوّل ما يصادفنا في هذا السّياق غياب ما سمّيناه صلوات الشّهور في (المُقنع)[101]، و(الهداية)[102] للشّيخ الصّدوق (قده)، سوى ما يذكره في الأخير مِن صلاة التّسابيح (=صلاة الحبوة)، وهي صلاة جعفر الطّيار، والتي تُدرج عادة في بعض أعمال نوافل شهر رمضان المُبارك، فالمسألة غير مُتعرّض لها في هذا المقدار الواصل لنا مِن كُتبه.
نعم، نجد في جُملة آثار الشّيخ الصّدوق (قده) كتاب (فضل شهر رجب)، وهو المُتداول في هذه الأزمنة ضِمن كتاب واحد يشتمل على ثلاثة كتب بعنوان (فضائل الأشهر الثّلاثة: رجب، شعبان، رمضان)، ولم يذكر (قده) شيئاً له ربط بصلاة الرّغائب، مع كون الكتاب يُناسب إيرادها، ولكن يُمكن الاعتذار عن ذلك بأحد أمرَيْن:
الأوّل: أنّ الكتاب جاء محدوداً في حجمه، وعدد رواياته، حيث لم يشتمل إلاّ على 18 رواية، كما جاء مجرّداً عن أي توضيح مِن قِبل صاحبه (قده)، ومعه تختفي ملامح منهجه وخطّته التي أرادها فعلاً؛ إذْ لا يشتمل على مقدِّمة يُمكن أنْ نستوضح مِن خلالها هدفه مِن الكتاب على نحو دقيق، ولا تعاليق وبيانات توقفنا على مُنطلقه ومرامه، والقدر المُتيقّن مِن مُطالعة الكتاب وتورّقه أنّ فيه بعض الأخبار التي تتضمّن فضائل شهر رجب، وحينئذ: لا سبيل للتّعرف على سرّ عدم تطرّقه لصلاة الرّغائب.
الثّاني: بمعونة مُراجعة سائر مُصنّفاته (قده) يظهر أنّ الواصل إلينا مِن الكتاب لا يُغطّي جميع أخبار الباب، ويُمكن التماس عدّة شواهد على ذلك، مِنها -مثلاً- أنّه نقل في كتابه (المقنع) رواية لا نجدها في كتابه (فضل شهر رجب)، وهي أنّه: (في خمسة وعشرين مِن رجب بعث اللّه محمّداً (ص)، فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة مائتي سنة).[103]
وهذه الرّواية حقّها أنْ تندرج مع نظائرها في الكتاب المذكور، وحينئذ: يُمكن أنْ نُفسّر ذلك بأحد الوجوه الآتية، ويصلح كلٌّ منها للجواب عن غياب رواية صلاة الرّغائب عن الكتاب، مع كونها مِن أفراد موضوعه، فإمّا أنْ نقول -مثلاً- :
1. أنّ الكتاب وصل ناقصاً.
2. أنّه (قده) لم يُصنّف كتابه بداعي الشّمول والاستيعاب.
3. أنّه (قده) لم يكن حاضراً عنده بعض المصادر حين التّصنيف.
وغير ذلك مِن الوجوه المعقولة التي تُزاحم دعوى قد تُثار في المقام، حاصلها: أنّ عدم نقله (قده) لرواية صلاة الرّغائب في الكتاب؛ كاشف عن عدم وجودها في زمن الصّدوق (قده)، فهي موضوعة فيما تأخّر عن زمانه، أو أنّها تسرّبت إلى محيطنا مِن المخزون الثّقافي للعامّة.
والحاصل: أنّ مِثل هذه الدّعوى في غاية الإشكال، والجواب عنها قد اتّضح حلاًّ (في الأمر الأوّل، والشّق الثّاني مِن الأمر الثّاني)، ونقضاً (في الشّق الأوّل مِن الأمر الثّاني).
ثمّ برزت أوّل ملامح صلوات الشّهور عند الشّيخ المُفيد (قده) في (المُقنعة)[104]، وهي: صلاة الغدير، وصلاة يوم المبعث، وصلاة ليلة النّصف مِن شعبان.
وفي كتاب (مسار الشّيعة) الذي يتعرّض فيه لمناسبات الشّهور مقرونة بأعمالها؛ نجده (قده) لا يذكر شيئاً يتّصل بصلاة الرّغائب في أعمال شهر رجب.[105]
بينما لا يُذكر في (الانتصار)[106] و(جمل العلم والعمل)[107] للسّيد المُرتضى (قده) غير نوافل شهر رمضان المُبارك، وتغيب تماماً في (النّاصريات)[108]، ولعلّ ذلك راجع لشرائط تلك الكُتب وخطّتها، وقد تقدّمت الإشارة إلى أنّ الشّريف المرتضى (قده)، ألّف كتباً كثيرة، قيل بلغت تسعة وثمانين كتاباً، لم يصل منها إلاّ القليل جداً!
ثم يشْخَص أمامنا (الكافي في الفقه)[109] لأبي الصّلاح الحلبي (قده)، فهو وإنْ اشتمل على صلاة الغدير، وصلاة ليلة النّصف مِن شعبان، وصلاة يوم المبعث، ونوافل شهر رمضان المُبارك، إلاّ أنّ النّسخ الواصلة إلينا مِن الكتاب ناقصة، لا يُمكن الوثوق والاطمئنان مِن اشتمال أصل الكتاب على غيرها أو عدمه.
ثم يتنامى عدد الصّلوات في (المراسم العلوية)[110] لسلاّر الديلمي (قده) ليُضاف إليها صلاة يوم عاشوراء، إلاّ أنّ كتابه هذا مبني على الاختصار[111]، وقد أحال في مبحث الاختلاف في ترتيب صلوات شهر رمضان المُبارك إلى كتاب موسّع له، قال (قده) : (ونحن نذكر الأظهر في الرواية، وكتابنا الكبير، يتضمن الخلاف في ذلك)[112] مِمّا يوحي أنّه ليس في وارد التّوسع ونحوه، على أنّه يُصرّح في (المُقدّمة) بأنّه يسلك طريق الاختصار[113]، مُضافاً إلى أنّ له (قده) عدّة كتب أخرى، منها المقنع في المذهب، لم يصلنا!
وأمّا الشّيخ الطّوسي (قده)، فيتفاوت مقدار الصلّوات التي يذكرها في كُتبه الفقهيّة، فإنّه يذكر في (المبسوط)[114]: صلاة الغدير، وصلاة يوم المبعث (أو ليلته)، صلاة يوم النّصف مِن شعبان، ونوافل شهر رمضان، إلاّ أنّه ساق الصّلوات على نحو التّمثيل، بما يظهر معه أنّه ليس على شرط الاستقصاء والاستيفاء.
وبهذا المقدار اكتفى (قده) في (النهاية في مجرد العمل والفتوى)[115]، وكذا فعل في (الاقتصاد)[116]، إلاّ أنّه لم يكن في مقام الاستيعاب، ولذا قال في آخر بحثه: (المرغبة فيها كثيرة جدّاً ذكرناها في مصباح المُتهجّد في عمل السّنة، وفيما ذكرناه ههنا كفاية إنْ شاء الله)[117].
وفي مقابل ذلك نجده (قده) لا يستحضر في (الخِلاف) سوى نوافل شهر رمضان المُبارك[118]، وينحسر الحديث عن صلوات الشّهور في (عمل اليوم والليلة) فلا يُذكر بشيء[119]، وكذا في (الجمل والعقود في المعاملات والعبادات)[120].
والتزم ابن البّراج (قده) بهذا المسلك في (المهذّب)[121] ، حيث لا يتعرّض إلاّ لنوافل شهر رمضان، وصلاة عيد الغدير، وصلاة يوم المبعث، وصلاة ليلة النّصف مِن شعبان، وصلاة يوم عرفة، ولعل ذلك راجع إلى انتماء ابن البّراج (قده) لعصر الجمود والرّكود الفقهي الذي أعقب شيخ الطّائفة (قده)، واقتحم الفضاء الفقهي الشّيعي، وجمد على نتاج الشّيخ (قده)، فامتدّت من عصره، أي مِن منتصف القرن الخامس واستغرقت حتّى منتصف القرن السّادس، ثم ما لبثت أنْ تنجلي على يد ابن إدريس الحلّي (قده)، حيث قاد حركة نقديّة جادّة وجريئة. وإنْ كانت لابن البرّاج جهود يُخالف فيها بعض آراء شيخ الطّائفة (قده)[122]، على أنّ له أيضاً له عدّة كتب في الفقه وغيره، وصل بعضها ولم يصل منها: (روضة النّفس في العبادات الخمس)، و(الكامل)، و(الموجز) وغير ذلك!
ثمّ إذا رجعنا قليلاً وأمعنّا فيما تأخّر عن زمن الشّيخ، فنجد مثلاً في (المؤتلف من المختلف بين أئمّة السّلف) لأمين الإسلام الطّبرسي (قده) يقتصر على نوافل شهر رمضان المُبارك[123].
وكذا في (الوسيلة) لابن حمزة الطّوسي (قده).[124]
وأمّا (سلوة الحزين)[125] الذي هو كتاب دعوات ونحوها لقطب الدّين الرّاوندي (قده) فلم يذكر شيئاً مِن صلوات الشّهور، على أنّ النّسخة الواصلة إلينا ناقصة.
وفي (غُنية النّزوع)[126] لابن زُهرة (قده) ذكر نوافل شهر رمضان المُبارك، وصلاة الغدير، وصلاة المبعث، وصلاة النّصف مِن شعبان، على أنّ ، له (قده) عدّة كتب، لم تصلنا منها: (الرّائع في الشّرائع)، (إحكام الأحكام)، وغيرها!
وفي (إشارة السّبق)[127] لأبي المجد الحلبي (قده)، : نوافل شهر رمضان، وصلاة ليلة المبعث، وصلاة ليلة النّصف مِن شعبان، وصلاة يوم الغدير.
وفي (السّرائر)[128] لابن إدريس الحلّي (قده) ، مثله، سوى صلاة يوم الغدير، وأضاف صلاة النّوروز.
الأوّل: أنّ إعراض مشهور القدماء ما قبل الشّيخ المُفيد (قده) غير مُحرز، ولا سبيل للكشف عن وعيهم بهذه المسألة، بالنّظر إلى ما بيّناه آنفاً، وتأسيساً على ذلك: لا تصح دعوى أنّ القُدماء أو مشهور القدماء قد بنوا على الإعراض عن الرّواية، وعدم تلقّيهم لها بالقبول، وكذا عدم تعرّضهم لها.
الثّاني: أنّ إعراض مشهورهم وعدم تعرّضه مِن زمن الشّيخ المُفيد (قده) وصولاً إلى شيخ الطّائفة، وانتهاءً بابن إدريس الحلّي غير مُحرز -بالجُملة- أيضاً، بلحاظ ما بيّناه آنفاً في تعليقاتنا المُلحقة بكل فقيه مِن قُدماء الأصحاب (أنار الله برهانهم).
نعم، مَن يُمكن قبول -على طريقة التّسليم- دعوى إعراضهم، وكذا عدم تعرّضهم عن صلاة الرّغائب هم خمسة فقهاء فقط!، -حيث نُسقط مِن حسابنا مَن لم يكن في وارد التّعرض لصلاة الشّهور على سبيل الاستيعاب، فاكتفى بإحداها، أو أقلّ القليل مِنها مِمّا تقدّم تفصيله- وهم: الشّيخ المُفيد (قده)، والشّيخ الطّوسي (قده)، وابن زُهرة (قده)، وأبو المجد الحلبي (قده)، وابن إدريس الحلّي (قده).
ومِن الواضح جِدّاً: أنّ هذا المقدار لا يُحقّق عنوان إعراض المشهور، أو إعراض القُدماء الموجب للقدح بالرّواية، ولا حتى عنوان عدّم التّعرض، ولا أظن أنّ فقيهاً يلتزم بذلك، فضلاً عن الالتزام بأنّ هذا المقدار موجب للحُكم بالوضع، ولو بضميمة سائر الدّعاوى الأخرى المذكورة كعدم العثور على شيء مِن الرّويات في هذا الخصوص في كُتب الحديث والرّواية.
المحصّلة النّهائيّة: تبيّن مِمّا تقدّم أنّ دعوى عدم تعرّض القُدماء لهذه الصّلاة بحدٍّ يُستكشف منه موقفهم السّلبي تجاه الرّواية، أو كون هذا موجب للطّعن بها على وجه الحُكم عليها بالوضع؛ مِمّا لا دليل عليه، ويقصر عن إثباته مقدار الكُتب والمجاميع الفقهيّة التي تمدّنا بالمعُطيات المطلوبة في هذا الاتّجاه.
وأمّا محاولة ترميم دعوى الوضع، وتدعيمها بسائر القرائن المُحتفّة المذكورة؛ فلا تفيد بشيء؛ بعد أنْ بيّنا وهن تلك القرائن بما لا مزيد عليه، على أنّها في نفسها لا -مع عدم فرض وهنها- لا تُحقّق القطع أو الوثوق المطلوب في الحُكم على الرّواية بالقطع.
أوّلاً: نقضاً
فإنّ يد التّتبع تنقضه، حيث نجد موقف العامّة على نحو مـتفاوت، وكلماتهم متبيانة، فبإزاء مَن اعترض على الرّواية، وضعّفها أو حكم بوضعها، توجد طائفة مِنهم مَن قبل العمل بها، إمّا تصحيحاً للرّواية نفسها، أو تمسّكاً بعمومات وإطلاقات تُصحّح العمل بها -بحسب نظرهم-، ولذا يُصرّح بعض فقهائهم، قال: (اشتدّ نزاع العلماء في هذه الصّلاة)[129].
واضطر مِثل السّبكي إلى الإقرار بكون للحديث أصل مع أنّه موضوع! ، قال في (طبقات الشّافعيّة) : (وق فله أصل على الجملة ولكنه موضوع)[130].
وإليك بعض مَن قَبِل العمل بالرّاوية:
(1) أبو حامد الغزالي ( ت : 505 هـ )، في (إحياء علوم الدّين)، وأهل القُدس - على ما صرّح هو بذلك - ، قال بعد إيرادها: (فهذه صلاة مُستحبّة، وإنّما أوردناها في هذا القِسم لأنّها تتكرّر بتكرّر السّنين، وإنْ كانت رتبتها لا تبلغ رتبة التّراويح وصلاة العيد؛ لأنّ هذه الصّلاة نقلها الآحاد، ولكنّي رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها، ولا يسمحون بتركها، فأحببت إيرادها)[131].
(2) عبدالقادر الجيلاني ( ت: 561 هـ )، ذكرها في (الغنية لطالبي طريق الحق عزّ وجلّ)، بعنوان : (فصلٌ في تأكيد الفضيلة في صوم أوّل الخميس مِن رجب والصّلاة في أوّل ليلة الجُمعة).[132]
(3) تقيّ الدّين ابن الصّلاح ( ت : 643 هـ )، في رسالته (الرّد على التّرغيب عن صلاة الرّغائب الموضوعة وبيان ما فيها مِن مخالفة السّنن المشروعة).[133]
ولذا يقوا الذّهبي في (السّير) : (وله مسألة ليست من قواعده شذ فيها وهي صلاة الرغائب قواها ونصرها).[134]
(4) القاضي السّراج؛ سراج الدّين عمر بن أحمد الأنصاري الشّافعي ( ت : 726 هـ)، قال السّخاوي في (التّحفة اللّطيفة) : (كان يصلّي إماماً للجماعة في الرّوضة النّبويّة صلاة الرّغائب التي تُصلّى ليلة أوّل جمعة مِن شهر رجب).[135]
(5) ابن الحاج ( ت : 737 هـ )، في (المدخل)، قال: (أنّ الكلام إنّما وقع على فعْلِها في المساجِد وإِظهارها في الجماعات، وما اشتملَت علَيه ممّا لا ينبغي كما تقدّم، وأمّا الرّجل يفعلها في خاصّة نفسه فيصلّيها سرّاً كسائر النّوافل فله ذلك)[136].
وقال في موضع آخر مِن كتابه : (وقد تقدّم أنّ فِعْل صلاة الرّغائب في جماعة بدْعة، ولو صلاّها إنسان وحده سرّاً لجاز ذلك)[137].
(6) جماعة مِن العُلماء، قال اليافعي ( ت : 768 هـ) في (مرآة الجنان) : قد ظهر لهما [أي صلاة الرّغائب والنّصف مِن شعبان] شعار في الأمصار، وصلاّهما العلماء الأحبار والأولياء الأخيار).[138]
(7) شمس الدّين محمّد بن حمزة الفناري ( ت : 843 هـ )، ذكر صاحب (كشف الظّنون) كتابه بعنوان (مُرشد المُصلّى)، وقال: (فيه تجويز صلاة الرّغائب، وليلة القدر، بل ترغيب لهما، فهجره جماعة)[139].
(8) ابن طولون الحنفي ( ت : 953 هـ )، له رسالة بعنوان (تقوية الرّاغب في صلاة الرّغائب)، وهو مِمّن يرى مشروعيّتها على ما يوحي بذلك عنوان رسالته، فإنّني لم أقف على مضمونها، والله العالم، والرّسالة لازالت مخطوطة، لم تُطبع بحسب مبلغ عِلمي، وهي محفوظة في معهد المخطوطات العربيّة في القاهرة.
(9) أبو الفداء إسماعيل حقّي الإستانبولي الحنفي الخلوتي ( ت : 1127 هـ )، قال في (روح البيان) : (والنّوافل مِثل صلاة الرّغائب...فإنّ صلاة الرّغائب تُصلّى بعد المغرب في ليلة الجمعة الأولى مِن شهر الله رجب...وتلك الصّلوات مِن مُستحسنات المشايخ المُحقّقين؛ لأنّها نوافل، أي زوائد على الفرائض والسّنن، وهذا على تقدير أنْ لا يكون لها أصل صحيح في الشّرع، وقد تكلّم المشايخ عليها، والأكثر على أنه (عليه السّلام) صلاّها؛ فلها أصل صحيح، لكن ظهورها حادث، ولا يقدح هذا الحدوث في أصالتها، على أنّ عمل المشايخ يكفى سنداً؛ فإنّهم ذووا الجناحَيْن، وقد أفردتُ لهذا الباب جزءً واحداً شافياً)[140]، وصرّح باستحبابها في موضع آخر أيضاً.[141]
(10) بعض المُعاصرين، قال السّقاف في بعض حواشيه على شرحه للعقيدة الطّحاويّة : (مسألة اعتراضه على الحافظ ابن الصّلاح في صلاة الرّغائب، والصّواب حليف ابن الصّلاح في هذه المسألة لا مع العزّ، وقد أبرق العزّ فيها وأرعد كثيراً مِن غير فائدة، وليس ههنا محلّ بسط الكلام في الرّد عليه في هذه المسألة، وقد وافقني على هذه المسألة سيّدي المُحدّث عبد العزيز ابن الصّديق عندما ذكرتها له ، ثم وقفت على كلامه عليها في كتابه (وصول التّهاني) ص (67) فوجدّته يقول هناك : (ولكنّ العزّ ابن عبد السّلام أخطاه التّوفيق في ردّه الأوّل والثّاني على ابن الصّلاح (رحمهما الله تعالى) رغم كون الموضوع سهلاً بسيطاً)[142].
(11) ووجدت لها موقفاً إيجابيّاً في تراث الزّيديّة، حيث يقول إمامهم الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة ( ت : 614 هـ ) في كتاب (وصيّة البنات): (ويتعلّمن أنواع صلاة النّوافل: كصلاة التّسبيح، وصلاة الرّغائب، وصلاة شعبان النّصف منه...).[143]
والحاصل: أنّ واقع التّعاطي مع المسألة ليس على وِفق ما يُصوّره سماحته (حفظه الله تعالى).
ثانياً: حلاً (=نقد تقييمات العامّة الرّجاليّة والحديثيّة)
والكلام فيها مِن جِهتَيْن:
الأولى: كُبرويّة
فإنّه لا عِبرة بتقييمات العامّة، وقد امتحنّاهم فوجدناهم يحكمون بوضع أو تضعيف الأخبار الصّحيحة المُتضافر، والأحاديث المتواترة، كحديث الطّير، وحديث باب العِلم، وحديث ردّ الشّمس، بل وحتّى حديث الغدير، وغير ذلك مِمّا يأبى في نفسه التّكذيب أو التّعيف، وتعثّر مسلكهم، وهوان طريقتهم لا تكاد تخفى على أحد.
والحاصل: أنّ تقييماتهم ليست واقعيّة غالباً، بل هي نفسيّة تحكمها الأهواء، ويقودها غير الحقّ!
وكيفما كان؛ فإنّ العُمدة في الاستناد إلى تقييماتهم هو تحصيل الاطمئنان مِن كلماتهم؛ فإنْ أفادته أوجب ذلك ترتيب الأثر المطلوب، وإلاّ فلا معنى للرّجوع إليهم في إثبات شيء أو نفيه.
الثّانية: صٌغرويّة
أنّ عُمدة ما يبتني عليه حُكمهم بوضع الخبر؛ هو اتّهام أحد رواته بوضعه، مع أنّه لا يوجد ما يدلّ عليه، وإنّما هي كعادتهم في ظنونهم وأوهامهم!
وتوضحه:
أنّ عُمدة طعنهم على الخبر بحدِّ جعلهم يرمونه في سلّة الموضوعات هو أنّهم اتّهموا فيه أحد رجال سنده، أعني: أبا الحسن علي بن عبد الله بن جَهْضَم الزّاهد، صاحب (كتاب بهجة الأسرار)، الذي كان ثقة مِن ثقات القوم وأئمّتهم.
قال الحافظ شِيرَوَيْه الدَّيْلَميّ: (كان ثقة صدوقاً عالماً زاهداً، حسن المُعاملة، حسن المعرفة بعلوم الحديث)[144].
وبالتتّبع ظفرتُ بتوصيفه بـ(الشّيخ الصّالح) في أحد أسانيد ابن عساكر في كتابه (تاريخ دمشق).[145]
وقد عثرتُ على حكم بعض حُفّاظهم بتحسين الحديث، فقد حكى الحافظ العراقي في أماليه -على ما نقله ابن عراق الكناني في كتابه (التّنزيه)- أنّ الحافظ أبو الفضل محمّد بن ناصر السلامي أورد الحديث في المجلس الرّابع عشر مِن أمالي ابن الحصين، وقال: إنّه حسن صحيح.[146]
ومع ذلك لم يسلم ابن جَهْضَم مِن لسان القوم، وإليك بعض كلماتهم في هذا الشّأن:
قال ابن الجوزي في (الموضوعات) : (هذا حديث موضوع على رسول الله (ص)، وقد اتّهموا به ابن جَهْضَم ونسبوه إلى الكذب، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون، وقد فتّشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم).[147]
وعلّق الذّهبي في (تلخيص الموضوعات لابن الجوزي) : (قلت: بل لعلّهم لم يُخلقوا).[148]
وقال في (المنتظم) : (وقد ذكروا أنّه كان كذاباً، ويُقال أنّه وضع صلاة الرّغائب).[149]
قال الذّهبي في (الميزان) : (مُتّهم بوضع الحديث...قال ابن خيرون: تُكلّم فيه. قال: وقيل إنّه يكذب. وقال غيره : اتهموه بوضع صلاة الرغائب).[150]
وقال في (السّير) : (ليس بثقَة، بل مُتّهم، يأتي بمصائب).[151]
وتبعه على ذلك بعبارته نفسها سبط ابن العجمي في (الكشف الحثيث).[152]
وقال ابن حجر في (الإصابة) : (معروف بالكذب).[153]
أقول: لم يقيموا دليلاً واحداً على دعواهم تلك! ؛ مُضافاً إلى أنّه لم يُعرف إلى الآن مِن وراء تكذيب ابن جَهْضَم في خصوص هذا الحديث! ؛ فإنّهم أحالوا إلى مجهول، وساقوا الكلام بصيغة التّمريض.
مُضافاً إلى أنّه وإنْ كان مُتّهماً بالكذب فإنّ هذا لا يوجب في نفسه الحُكم بوضع هذا الحديث بعينه! فلم يتّضح مَن ابتدع تهمته وسنّ رميه بالكذب، فسلك القوم مسلكه، ولم يتنكّبوا طريقه!
ولذا علّق ابن حجر العسقلاني على كلام الذّهبي بعد أنْ نقل الأخير كلام ابن الجوزي، فقال في (لسان الميزان) : (القائل ذلك هو ابن الجوزي مع أنّ في الإسناد إليه [أي إلى ابن جَهْضَم] مجاهيل)[154].
ويكشف النّقاب عن جانب مِن الموقف السّلبي تجاه الرّجل مَن رفع راية تهمة الوضع المذكورة أعني: ابن الجوزي، والذّهبي، فيقول الأوّل في كتابه (التّبصرة) : (وما يُروى فيه مِن صلاة الرّغائب فحديثٌ لا أصل له، وإنّي لأغار لصلاة التّراويح مِن صلاة الرّغائب! ، وإنّما يُتّهم بوضعها ابن جَهْضَم).[155]
ويقول الثّاني في كتابه (تاريخ الإسلام)، فيقول عن حديث صلاة الرّغائب: (والحديث موضوع، ولا يُعرف إلاّ مِن رواية ابن جَهْضَم، وقد اتّهموه بوضع هذا الحديث،... ولقد أتى بمصائب يشهد القلب ببُطلانها في كتاب: بهجة الأسرار).[156]
أقول: وهو كما أوعزنا إليه آنفاً؛ فإنّ الأمر ألصق بالدّوافع النّفسية، والمُنطلقات الذّوقيّة، ولا تتّصل بالواقعيّات عندهم، وكلماتهم كما ترى!
ومهما يكن؛ فإنّه يكفي في الجواب عن هذه الدّعوى ما قاله أحد كبار علمائهم ومُحقّقيهم المعاصرين؛ الشّيخ عبدالله بن يوسف الجديع في كتابه (تحرير علوم الحديث) :
((قال الذهبي في (أبي الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جَهْضَم الهمذاني): (ليس بثقة، بل متهم يأتي بمصائب)، فعارض قول الحافظ شيرويه الدّيلمي: (كان ثقة صدوقاً عالماً زاهداً، حسن المعاملة، حسن المعرفة بعلوم الحديث).
وتبيّن أنّ التّهمة بالكذب حكاها ابن الجوزي فقال: (ذكروا أنّه كان كذاباً، ويقال: إنّه وضع صلاة الرّغائب)، ونقل عن أبي الفضل بن خيرون قوله: (قد تكلّموا فيه).
وهذا الطّعن متهافت، فمن ذا كذّبه، فالجرح لا يُقبل مِن مجهول، والتّهمة بوضع صلاة الرّغائب جاءت مِن جهة أنّه روى الحديث فيها، لكنّه لم يكن سوى ناقل، وعلّتها مِمّن فوقه، فإسنادها مجهول، وكثير مّن الثّقات رووا عن المجهولين والضّعفاء والمُتّهمين ما هو منكر أو كذب، وما لحقهم الجرح بسببه، إنّما التّهمة لمن لم يعرف مِن رجاله بالعدالة)[157].انتهى كلامه.
والمُتلخّص: أنّ غاية ما يُمكن أنْ يُخدش مِن خلاله بالخبر هو ضعف سنده لاشتماله على مجاهيل، وهذا شيء آخر غير دعوى كونه موضوعاً!
ولذا قال ابن عساكر في (معجم شيوخه) : (هذا حديث غريب جداً، وفي إسناده غير واحد مِن المجهولين).[158]
وحكى العراقي في (ذيل ميزان الاعتدال) : (قَال أبو موسى المدِينِيّ لا أعلم أَنّي كتبته إِلاّ مِن رواية ابن جَهْضَم، قَال: ورجال إِسناده غير معروفين)[159].
على أنّ ابن جَهْضَم هذا، لم يتفرّد في نقل الخبر، فقد تابعه عليه غيره - على ما يظهر بالتّتبع- ، ومع ذلك لم يقبل القوم تلك المتابعه وحملوها على الخطأ بلا مُستند واضح! ، قال ابن عراق الكناني في (التّنزيه) : (وقَال الحافظ ابن حجر في تبيِين العجب، أخرج هذا الحديث أبو محمّد عبد العزيز الكتاني الحافظ في كتاب فضل رجب له، فقال ذكر علي بن محمّد بن سعيد البصري يعني شيخ ابن جَهْضَم ثنا أبي فذكره بطوله وأخطأ عبد العزيز في هذا فإِنّه أوهم أن الحديث عنده عن غير علي بن عبد الله بن جَهْضَم، وليس كذلك فإنّه إنّما أخذه عنه فحذفه لشهرته بوضع الحديث، وارتقى إِلى شيخه وهو وأبوه وشيخ أبيه مجهولون).[160]
ويُحدّثنا (قده) عن قيمة إضافاته على أصل الكتاب، فيقول: (وأضفت إليه ما لا بدّ مِنه، ولا يُستغنى عنه، ورتّبته على أبواب).[161]
أقول: وحسبُك تلك الكلمات في اكتشاف موقف العلاّمة (قده) مِن هذه الصّلاة.
تمّ البحث، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصّالحات ،،،
[1] راجع: وسائل الشّيعة للشّيخ الحُر العاملي (قده) ج1 ص80-82 ح182- 190 ب18 : استحباب الإتيان بكل عمل مشروع ُروي له ثواب عنهم (عليهم السّلام)، مِن أبواب مقدّمة العبادات، ومِن جُملة روايات الباب، الرّواية الأولى، وهي رواية الشّيخ الكليني (قده) في الكافي الشّريف الصّحيحة عن أبي عبد الله (ع)، قال: مَن سمع شيئاً مِن الثّواب على شيء فصنعه كان له، وإنْ لم يكن على ما بلغه.والحاصل: عدم صحّة ما أفاده سماحة السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) في أنّ رواية صلاة الرّغائب هي رواية واحدة رواها العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، سواء كان كلامه مبنيّاً على قصور في البحث، بحيث لم يطّلع على غير رواية العلاّمة (قده) في إجازته الرّوائيّة، أو مُستنداً إلى دعوى وِحدة الرّوايات بوجه مِن الوجوه، مع كونها مُخرّجة على يد غير واحد مِن أعلامنا الأعاظم (طيّب الله ثراهم).
المبحث الثّاني: دعوى أنّ رواية صلاة الرّغائب إنّما هي رواية سُنّيّة
وينعقد البحث في مطالب ثلاثة:المطلب الأوّل: تقرير ونقل نصّ إفادات سماحة السّيد مُرتضى المُهري (دام عزّه)
شدّد سماحته (حفظه الله تعالى) على أنّ هذه الرّّواية سُنّية، منقولة مِن طريق العامّة.قال: (هنا يذكر العلاّمة إجازة رواية، ويذكر الرّواية، رواية عامّية من بعض السّنة حول هذا الأمر، يعني ليلة الرّغائب، ورواية كل سندها مِن العامّة، وآخر السّند يصل إلى أنس بن مالك). (الدّقيقة: 2:55 وما بعدها).
وقال: (شلون أنت تقبل هذه الرّواية؟، رواية كلّ رواتها عامّة، والعامّة همّ ما يقبلونها، والعلاّمة الحلّي نفسه أيضاً لم يقبله ولم يعمل به، ولم يذكره في كُتبه؛ لم يذكر هذا الرّواية في كُتبه الفقهيّة، ولا أحد مِن العلماء القدماء قبلوا هذه). (الدّقيقة: 21:57 وما بعدها).
المطلب الثّاني: مناقشة دعوى أنّ الرّواية عامّية
أقول: ما أفاده (حفظه الله تعالى) -رُبما- اقتبسه مِمّن سبقه مِن الأعلام (أنار الله مراقدهم) على ما سيأتي توضيحه.وكيفما كان؛ فإنّه يقع الكلام مِن جهتَيْن:
الجهة الأولى: تجذير الدّعوى
أوّل مَن نسب الحديث إلى السّنة، -على ما تُفصح عنه المصادر المتوفّرة، وفي حدود اطّلاعي- هو العلاّمة المجلسي (قده) (ت: 1111 هـ)، قال في كتابه (زاد المعاد) : (لم نورد في هذه الرّسالة صلاة ليلة الرّغائب المشهورة مع أنّها منقولة عن طُرق العامّة)[41].وتبعه على ذلك المُحقّق التّستري (قده) (ت: 1416 هـ)، قال في كتابه (النّجعة في شرح اللّمعة) : (فلا عبرة بها فلا بدّ من كونها عاميّة)، و(لا عبرة بها لكون الأصل في روايتها العامّة)[42].
الجهة الّثانية: مُناقشة الدّعوى
أقول: وهذه الدّعوى قابلة للمُناقشة جِدّاً؛ فإنّ مُستندها غير واضح!، وكون الخبر قد ثبت نقله في مورد ما عن بعض رجالات العامّة؛ لا يلازم -بالضّرورة- أنْ تكون جميع موارد نقولاته مأخوذة عن العامّة أيضاً، والأمر في أحسن أحواله مظنون، ولم يقم دليل على اعتبار هكذا ظن!وتطبيق ذلك على ما نحن فيه: أنّ الخبر في التّركة الرّوائيّة الشّيعيّة المُتوفّرة-كما عرفت مِمّا تقدّم- جاء على أنحاء أربعة:
النّحو الأوّل: منقول عن النّبي الأكرم (ص) مباشرة، بلا إشارة إلى كون نَقَلَتِه مِن العامّة، وهي رواية السّيد ابن طاووس (قده) في كتابه (الإقبال).
النّحو الثّاني: الأقرب أنّه في حُكم المنقول عن المعصوم (ع)، وهي رواية العلاّمة الحلّي في (منهاج الصّلاح)، وهي كسابقتها.
النّحو الثّالث: منقول عن النّبي الأكرم (ص) بتوسّط الصّحابي أنس بن مالك، وبسند متّصل إليه ينتهي إلى بعض العامّة، وهي رواية العلاّمة (قده) في إجازته الكبيرة لبني زهرة، وهي الرّواية الوحيدة المقطوع بعامّيتها.
النّحو الرّابع: منقول عن النّبي الأكرم (ص) بتوسّط الصّحابي أنس بن مالك، وهي رواية السّيد ابن باقي القرشي (قده) التي نقلها الشّيخ الكفعمي (قده) في كتابه (البلد الأمين)، إلاّ أنّ الكلام في الطّريق إليه، وكون روايته منقولة عن العامّة.
منشأ دعوى كون الرّواية عاميّة:
ودعوى أنّ الرّواية عامّية لا يخلو منشؤها مِن أحد أمور ثلاث:الأمر الأوّل: أنّها ناظرة إلى خصوص رواية العلاّمة الحلّي (قده) في (الإجازة)، مع قطع النّظر عمّا سواها؛ لعدم الاطّلاع على غيرها أصلاً، وقد عرفت ما في ذلك مِن الإشكال.
والغريب: أنّ مَن حكم بعامّية الرّواية قد وقف على اختلاف مصدرها، فالعلاّمة المجلسي (قده) نقل الخبر في (البحار) عن إجازة العلاّمة الحلّي (قده) بسندها المُشتمل على بعض رجال العامّة، وعن (إقبال) ابن طاووس مُرسلاً.[43]
وكذا: فعل المُحقّق التّستري (قده)، حيث أشار إلى روايتها في (الإقبال)، وإجازة العلاّمة (قده) لبني زُهرة.
إلاّ أنْ يُقال: أنّهما يذهبان إلى اتّحادهما، وكونهما رواية واحدة في واقع الأمر، وهو ما ستأتي مناقشته في (الأمر الثّاني).
الأمر الثّاني: أنّها مُبتنيّة على (الدّعوى الأولى) مِن الدّعاوى الثّلاث التي أفادها سماحته، أعني دعوى: وحدة الرّواية واتّحادها.
ويرد عليه: أنّك قد عرفت عدم تماميّتها بما لا مزيد عليه؛ فإنّ القدر المُتيقّّن مِن مجموع هذه الرّوايات الثّلاث هو: عاميّة رواية العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، دون غيرها، ولا يوجد ما يثبت أنّ سائر الرّوايات مُتحدّة المخرج مع رواية العلاّمة (قده)، والتي هي رواية عامّية بلا كلام؛ لكونها تنتهي إلى رواة السّنة وصولاً إلى أنس بن مالك عن النّبي الأكرم (ص).
الأمر الثّاني: إحراز كون المنقول في جميع موارد نقل الرّواية مصدره العامّة، مع كون الرّويات مُتعدّدة، ومُختلفة المخرج.
ويرد عليه: أنّها دعوى بلا دليل واضح عليها، وعُهدتها على مُدّعيها.
والحاصل: أنّ دعوى عاميّة الرّواية؛ غير مؤكّدة ولا تصحّ بوجه؛ لعدم وجود ما يُمكن أنْ يُركن إليه في المقام، فأيّ محاولة لنسبتها إلى العامّة بالمُطلق لا مجال لقبولها.
المطلب الثّالث: أثر دعوى عاميّة الرّواية على العمل بها
بناءً على صلاحيّة الرّواية للحكم بكونها مشمولة لحريم موضوع روايات (مَن بلغ) مِن جِهة إحراز احتمال صدورها، وعدم وجود ما يدلّ على كونها مُختلقة - كما سيوافيك إثباته في محلّه - فإنّه يقع الكلام بعدُ في تماميّة صلاحيتها تلك، بدعوى أنّها مخدوشة مِن جِهة أخرى، وهو كونها مِن روايات العامّة، وهو مانع عن دخولها في موضوع روايات (مَن بلغ)، ويُمكن الجواب عن ذلك، بنائيّاً ، ومبنائيّاً.أوّلاً: الجواب البنائي
أنّه تبيّن مِمّا تقدّم وهن دعوى عاميّة الرّواية، وأنّه لا يُمكن المُساعدة عليها بشيء مِمّا ذُكر، فباب الحُكم على الرّواية بكونها كذلك مسدود، ولا يوجد ثمّة ما يُمكن أنْ يُركن إليه في هذا الصّدد، بل الشّواهد على كونها ليست عامّية أوضح.ثانياً: الجواب المبنائي
أنّ في المقام اتّجاهان افترق عليهما الأصحاب:الاتّجاه الأوّل: سعة دائرة روايات (مَن بلغ)، بحيث تكون شاملة للأعمّ مِن أخبار الخاصّة والعامّة، وهو خيرة الشّهيد الثّاني (قده) في (المسالك)[44]، والسّيد محمّد الطّبطبائي صاحب المفاتيح (قده)[45]، والمُحقّق النّراقي (قده) في كتابه (عوائد الأيّام)[46]، وهو أيضاً مُختار الشّيخ الأعظم (قده) في رسالته حول قاعدة التّسامح[47]، وتبعهم على ذلك جماعة مِمّن تأخّر عنهم؛ السّيد المرعشي النّجفي (قده) على ما جاء في بعض تقريرات أبحاثه[48]، والمُحقّق السّيد الرّوحاني (دام ظلّه) في (زبدة الأصول)[49]، وغيرهما. [50]
ورُبما يُستظهر مِن كلمات العلاّمة المجلسي (قده) أنّ عادت الأصحاب المُتقدّمين على طريقة الاستناد إلى الأعم مِمّا ورد مِن طرقنا وطرق غيرنا، قال (قده) في (ملاذ الأخيار) : (وهذا شيء ذكره الشّيخ (رحمه الله)، و لم نطّلع فيما وصل إلينا مِن الأحاديث المرويّة مِن طرقنا على ما يتضمّن ذلك، بل أصولنا المتداولة في زماننا خالية عن هذا الاسم أيضاً، لكن مِن عادتهم التّسامح في أدلّة السّنن).[51]
وهو خيرة عدّة مِن أعاظم الفقهاء المُعاصرين على ما يلوح بجلاء مِن تتبّع فتاواهم، ومطالعة كلماتهم.
الاتّجاه الثّاني: اختصاص موضوع تلك الرّوايات فيما ورد مِن أخبار الخاصّة دون غيرهم، وقد ألمع إلى ذلك جماعة، مِنهم: العلاّمة المجلسي (قده)[52]، وهو المحكي عن الشّيخ سليمان الماحوزي (قده)[53]، ورُبما ما تومئ إليه كلمات المُحقّق البحراني (قده)[54]، والظّاهر مِن صاحب الجواهر (قده)[55]، وإليه مال المُحقّق الشّيخ جعفر السّبحاني (دام ظلّه)[56].
وعليه: فإنّه يُمكن تصحيح العمل بأخبارهم بناءً على المسلك الأوّل، وما نحن فيه مِن تطبيقاته، وبذلك يندفع الإشكال كُبرويّاً.
المبحث الثّالث: دعوى القطع بكون الرّواية مكذوبة !
وينعقد الكلام في مطلبَيْن:المطلب الأوّل: تقرير ونقل نصّ إفادات سماحة السّيد مُرتضى المُهري (دام عزّه)
وكلامه (دام فضله) يقع في جِهتَيْن:الجٍهة الأوّلى: التّصريح بوضع الرّواية وكذبها
صرّح سماحته (حفظه الله تعالى) غير مرّة بابتناء قناعته على كذب هذه الرّواية، وتتصاعد حدّة موقفه مِن هذه الصّلاة، وقسوة حكمه عليها إلى حدّ يصفها معه بأنّها (تافهة) !وإليك نصّ كلامه:
قال: (أنا قاطع بأن هذه الرواية مكذوبة). (الدّقيقة: 8:07 وما بعدها).
وقال: (شيء تافهة أصلاً، ما له أساس!). (الدّقيقة: 14:40 وما بعدها).
وقال: (والرّسول أنّه لم يقل هذا الكلام). (الدّقيقة: 18:29 وما بعدها).
الجِهة الثّانية: مُبرّرات وضع الرّواية وكذبها
ويتلخّص ما استند إليه (حفظه الله تعالى) في بناء موقفه مِن هذا الرّواية بالحُكم عليها بكونها مقطوعة الكذب، بما حاصله:أنّ فرض صدور هذا الفضل العظيم، والثّواب الجزيل الذي حظيت به هذا الصّلاة -بحسب ما تُفيده الرّواية المنقولة بشأنها- عن النّبي (ص) لا ينسجم مع واقع عدّة أمور:
الأمر الأوّل: عدم حثّ أئمّة أهل البيت (عليهم الصّلاة والسّلام) شيعتهم على ممارسة هذه العبادة، والعمل بهذه الصّلاة على طِبق ما جاء في خبرها، مع كون المعهود مِن طريقتهم أنّهم لا يألون جُهداً في هذا السّبيل.
الأمر الثّاني: غياب حتّى الرّواية الضّعيفة عنهم (عليهم الصّلاة والسّلام)، بل وشديدة الضّعف أيضاً، كالتي ينقلها الكذّابون.
الأمر الثّالث: عدم قبول مُتقدّمي أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) للرّواية، وإغفالهم إياّها في مدوّناتهم الفقهيّة القديمة.
ثم أردف أمرَيْن آخرَيْن، ولعلّهما على سبيل التّأييد، أو الرّد على مَن زعم اعتمادها مِن قِبل العلاّمة (قده)، أو العامّة، وهما - بمراعاة التّرتيب الآنف- :
الأمر الرّابع: عدم قبول علماء العامّة للرّواية، بالرّغم مِن كونها مرويّة مِن طُرقهم.
الأمر الخامس: إعراض العلاّمة الحلّي (قده) عن هذه الرّواية، فلا نجده يذكرها في كُتبه الفقهيّة، ولا يقبلها، ولا يعمل بها.
وإليك نصّ كلامه (حفظه الله) :
قال: (الدّليل أنّه لو كان هناك ليلة من ليالي رجب، يعني مثلاً أول جُمعة مِن رجب بهذه الدّرجة مِن الأهمّية، وهذه الصّلاة المذكورة هنا في هذه الرّواية، وهذا الثّواب الجزيل، وأنّ هذه الليلة الملائكة تُسمّيها ليلة الرّغائب؛ لأنّ الإنسان يصل إلى كل رغائبه في هذه الليلة إذا مثلاً صلّى هذه الصّلاة، ودعا بهذا الدّعاء إلى آخر هذه الأعمال، أئمتنا ليش ما حثّوا الشّيعة، ولا مرّة، يعني إحنا نشوف بأنّ الأئمّة مهتمّين بحث الشّيعة على هذه الأعمال، مثلاً في ليالي القدر، في يوم وليلة عرفة، في النّصف مِن شعبان، ليالي شهر رمضان، يعني هذا شيء الأئمّة مُهتمّون به، والأصحاب أيضاً؛ أصحاب الأئمّة، يعني ولا رواية حتّى ضعيفة، حتّى رواية ينقلها كذّابون -زين- ما أكو في كُتبنا، كيف مُمكن؟ كيف ممكن أنّ هذه اللّيلة بهذه الدّرجة مِن الأهمّية، وأئمّتا أصلاً لم يذكروا شيئاً! والرّواة لم ينقلوا شيئاً! وحتّى العُلماء؛ عُلماء السّلف ما ذكروا هذه الصّلاة في كُتبهم نهائيّاً) (الدّقيقة: 8:17 وما بعدها).
وقال: (ما موجود هذه الرّواية، ولا هذه الصّلاة، ولا الحثّ على هذه الصّلاة في أيّ كتاب مِن كُتب الفقه القديمة، ما كو!، حتّى العلاّمة نفسه!، العلاّمة الحلّي بنفسه أيضاً لم يذكر في أيّ كتاب مِن كُتبه الفقهيّة هذا الأمر!). (الدّقيقة: 11:21 إلى: 11:46).
وقال: (أيّ عالم مِن عُلماء الفقه الشّيعي القديم اعتمد أو ذكر؟ ما أكو ولا واحد!، لا مذكور في كُتب الحديث!، ولا في كُتب الفقه!). (الدّقيقة: 12:03 إلى: 12:18).
وقال: (والرّسول أنّه لم يقل هذا الكلام، لو كان قائل؛ كان الأئمّة على الأقل يذكرون في رواية، روايتين، يهتمّون، ليش ما أكو ولا رواية؟ ، كيف يكون هذا الحديث صحيح؟ مِن أين؟ أيّ احتمالات؟) . (الدّقيقة: 18:30 وما بعدها).
وقال: (شلون أنت تقبل هذه الرّواية؟، رواية كلّ رواتها عامّة، والعامّة همّ ما يقبلونها، والعلاّمة الحلّي نفسه أيضاً لم يقبله ولم يعمل به، ولم يذكره في كُتبه؛ لم يذكر هذا الرّواية في كُتبه الفقهيّة، ولا أحد مِن العلماء القدماء قبلوا هذه). (الدّقيقة: 21:57 وما بعدها).
المطلب الثّاني: مناقشة مُبرّرات القطع بكذب الرّواية
أقول: والقطع وإنْ كان حُجّة على صاحبه كما تقرّر في محلّه، إلاّ أنّه ثمّة سعة في الكلام على مُقدّماته ومُنطلقاته، ومحاكمتها، وقد ارتكز قطعُ سماحته (حفظه الله تعالى) على عدّة أمور لا توجبه بمجموعها!، وفي مناقشتها مجال واسع، ويقع الكلام في ذلك مِن جِهات ثلاث:الجِهة الأولى: الجواب عن (الأمر الأوّل) و(الأمر الثّاني)
أقول: أنّ مؤدّى إفادة سماحته (حفظه الله تعالى) في الأمر الأوّل والثّاني هو أشبه ما يكون على طريقة القاعدة العُقلائيّة المعروفة بمقولة (لو كان لبان)، فالإشكال ناظر إلى عدم مواءمة اشتمال هذه الصّلاة على هذا الفضل العظيم المذكور، مع تقلّص حضورها الرّوائي في خطاب الأئمّة (عليهم الصّلاة والسّلام)، وانحساره إلى حدّ العدم، مع أنّ ما تنطوي عليه من الثّواب الجزيل والفضل العظيم مِن شأنه تحريك الهِمم، واستفزاز النّاقلين وتحفيزهم، فيترشّح عن ذلك حركة روائية تُحدث أثراً ملموساً في الواقع الرّوائي، وهو ما لم يتبيّن بالرّصد.إلاّ أنّه يُمكن أنْ يُجاب عن ذلك، بنائيّاً تارة، ومبنائيّاً تارةً أخرى:
أوّلاً: دفع الإشكال بنائيّاً:
وذلك بأنّ بعض روايات هذه الصّلاة جاءت مُجرّدة عن كل ذلك الكم مِن الثواب الجزيل المُرافق لها في مِثل رواية جابر الجعفي (رض)، المُتقدّمة.ومعه: يُمكن التّفكيك بين الرّوايات نفسها تارة، وبين مُفردات وعناصر مضامين كل رواية مُنفردة تارة أخرى، وهو تفكيك واحد في حقيقته، لرجوع أحدهما إلى الآخر، فتأمّل.
وكيفما كان؛ فإنّه يمكن تقريب ما تقدّم بالنّحو الآتي:
أمّا التّفكيك على مستوى الرّويات نفسها: ففيما لو قُلنا -مُسَلِّمين- أنّ الرّوايات الموضوعة هي خصوص ما كانت مُشتملة على هذا القدر مِن الثّواب الجزيل، وأمّا ما لم تكن كذلك فإنّ دواعي النّقل تنخفض.
ومعه: يُمكن أنْ نتصوّر غياب هذه الرّوايات واندراسها؛ نتيجة قلّتها، وعدم تواطؤ الدّواعي وتوافر الهِمم لنقلها، وبثّها، فلا تقاوم -حينئذ- عوامل الاندراس والضّياع.
وحينئذ: تكون رواية جابر الجعفي (رض)، والتي جاءت مُجرّدة عن قدر كبير مِن الثّواب سالمة عن شُبهة الوضع، بل المفروض أنّه لا يوجد ما تُصَحّح به دعوى الوضع، بعد كونها -أي دعوى الوضع- قد ارتكزت على حيثيّة عدم الانسجام والتّكافؤ بين الثواب الجزيل وغياب الرّواية عن المشهد الرّوائي للأئمّة (عليهم الصّلاة والسّلام).
وأمّا التّفكيك على مستوى كل رواية بحدّها: فيفما لو افترضنا أنّ الرّواة كذبوا في خصوص المقدار المذكور مِن الثّواب؛ إذْ لو كان الأمر على طِبق ما ذكروه؛ لتكثّرت الدّواعي بما لا يُتصوّر معه -عادةً- عدم العثور على رواية عنهم (عليهم الصّلاة والسّلام) تفيد الحثّ على هذه الصّلاة.
وحينئذ: يكون القدر المُتيقّن مِن المكذوب في الخبر هو حجم الثّواب العظيم الذي يُصاحب نقل هذه الصّلاة وكيفيّتها، وأمّا المقدار المُشتمل على هذه الصّلاة فهو بمنأى عن الكذب والوضع.
وكل ذلك ناظر إلى ملاحظ الرّوايات بمجموعها؛ أعني رواية جابر الجعفي (رض) مضمومة إلى سائر الرّويات.
والحاصل: أنّ بعض الرّوايات، وهي رواية جابر الجُعفي (رض) خارجة تخصّصاً عن الكُبرى التي يستند إليها سماحته في بناء رؤيته، وهي بذلك تجوز القنطرة ولا يمسّها الإشكال، وبعدُ مِن خلالها يُمكن إزاحة الإشكال عن سائر الرّويات بالقدر المُشترك بينها وبين تلك الرّواية.
ثانياً: دفع الإشكال مبنائيّاً
والذي يسنح به ذّهني القاصر أنّ الدّفع المبنائي يُمكن عَبْر أحد وجوه ثلاثة:الوجه الأوّل: أنّ القاعدة العُقلائيّة (لو كان لبان) المعمول بها في خصوص ما لو كانت المسألة تمسّ ما يهتمّ به العموم؛ ليس على إطلاقها، مِن جِهتَيْن:
الجِهة الأولى: ينبغي -بحسب رأيي القاصر- أنْ يُلاحظ في مقام تطبيقها عدم وجود بدائل تُغْني عن المنقول، إمّا لكون سقف ثوابها أعلى، أو لكونه مُكافئاً، خصوصاً فيما لو كان البديل أيسر وأقلّ حزازة على المُكلّف -ولو في الجُملة-.
ولا يخفى كميّة الأعمال والطّاعات مِن المُستحبّات والواجبات التي لها من الفضل الكثير والثّواب الجزيل غير (صلاة الرّغائب)، والتي تُضاهي ثوابها، بل وتفوقه وتتجاوزه بمراحل، والتي يضيق المقام عن استيعابها، واستيفاء ذكرها، ولكن لا بأس باستعراض طرف منها بإزاء ما هو موجود في (صلاة الرّغائب) :
فمِن ثواب (صلاة الرّغائب) المذكورة في الخبر محلّ البحث، وله نظائر في أعمال بمجموعها أيسر بكثير منها:
1- غُفران جميع الذّنوب ولو كانت مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزن الجبال، وعدد ورق الأشجار.
ومن نظائره في عمل أيسر منها:
أ- ما رُوي عن الإمام الرّضا (ع)، (بسند مُعتبر) : (من استغفر الله تبارك وتعالى في شعبان سبعين مَرّه غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل عدد النّجوم).[57]
ب- ما رُوي عن الإمام الصّادق (ع)، (بسند حسن) : (من ذكرنا وذكرنا عنده فخرج مِن عينه مثل جناح الذّبابة غفر الله ذنوبه ولو كانت أكثر مِن زبد البحر)[58].
2- أنّ مُصلّيها يشفع يوم القيامة في سبع مائة مِن أهل بيته مِمّن قد استوجب النّار.
ومن نظائره في عمل أيسر منها:
عدّة روايات، منها: حديث مناهي النّبي (ص) المشهور، والمروي في عدّة مصادر مُعتبرة أبرزها (من لا يحضره الفقيه) للشّيخ الصّدوق، فقد جاء فيه عنه (ص) : (ألا ومن أذّن محتسباً يريد بذلك وجه الله عزّ وجلّ أعطاه الله ثواب أربعين ألف شهيد، وأربعين ألف صِدّيق، ويدخل في شفاعته أربعون ألف مسيء مِن أمتي إلى الجنّة)[59].
3- تسلية هذه الصّلاة لصاحبها في وحشة قبره
وله نظائر في عمل أيسر بكثير أيضاً مِن هذه الصّلاة، منها:
أ- ما رُوي عن الإمام الباقر (ع)، (بسند حسن) : (ومن قرأها -أي سورة المُلك- إذا دخل عليه في قبره ناكر ونكير من قبل رجليه قالت رجلاه لهما ليس لكما إلى ما قبلي سبيل قد كان هذا العبد يقوم علي فيقرأ سورة الملك في كل يوم وليلة وإذا أتياه من قبل جوفه قال لهما : ليس لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان هذا العبد أوعاني سورة الملك وإذا أتياه من قبل لسانه قال لهما : ليس لكما إلى ما قبلي سبيل، قد كان هذا العبد يقرأ بي في كل يوم وليلة سورة الملك)[60].
ب- ما رُوي عن الإمام الباقر (ع)، (بسند مُعتبر) : (مَن أتمّ ركوعه لم تدخله وحشة في القبر)[61].
4- أنّ هذه الصّلاة تقي صاحبها مِن أهوال القيامة، فقد ورد في الخبر المذكور، أنّها تُخاطب صاحبها في قبره، فتقول: (فإذا نفخ في الصور ظللت في عرصة القيامة على رأسك فأبشر).
وله نظائر في أعمال أيسر أيضاً:
أ- ما رُوي عن الإمام الرّضا (ع) ، (بسند مُعتبر) : (مَن قال في كل يوم مِن شعبان سبعين مرّة : (استغفر الله واسأله التوبة)؛ كتب الله تعالى له براءة مِن النّار، وجوازاً على الصّراط، وأحله دار القرار)[62].
تتمّة:
في الإشارة إلى فضل مِن فضائل هذه الصّلاة ذكره سماحة السّيد (حفظه الله تعالى)بقي فضل ذكره سماحة السّيد (حفظه الله تعالى) في مُعرض حديثه حول هذه الصّلاة، وقد نقلنا نصّه سابقاً، ولا بأس بنقله هنا مرّة أخرى لتسهيل مُتابعة القارئ:
قال (حفظه الله تعالى): (وأنّ هذه الليلة الملائكة تُسمّيها ليلة الرّغائب؛ لأنّ الإنسان يصل إلى كل رغائبه في هذه اللّيلة إذا مثلاً صلّى هذه الصّلاة).
أقول: إلاّ أنّ ما أفاده (حفظه الله تعالى) في غير محلّه؛ لأنّ الرّوايات لا تتحدّث عن شيء مِِن ذلك أصلاً، ونصّت على أنّ منشأ التّسميّة هو شيء آخر غير ما أفاده (سماحته)!، ولم أظفر بشيء يدلّ عليه!
وإليك مقدار ما اشتملت عليه الرّواية في هذا الخصوص، وهو قول النّبي (ص) -بحسب الرّواية-: (ليلة تسميها الملائكة ليلة الرّغائب، وذلك أنّه إذا مضى ثلث اللّيل لا يبقى مَلَك في السّماوات والأرض إلاّ ويجتمعون في الكعبة وحواليها، ويطلع الله عليهم اطلاعة فيقول لهم: يا ملائكتي سلوني ما شئتم، فيقولون: ربّنا حاجاتنا إليك أنْ تغفر لصوام رجب، فيقول الله عزّ وجلّ: قد فعلت ذلك)[63]
الوجه الثّاني: أنّ توفّر دّواعي النّقل وتكثّرها يُمكن أنْ يُتصوّر في خصوص بعض الطّبقات الأولى، ثمّ لمّا تمّ التّحفّظ على المنقول والاطمئنان على سلامته مِن الضّياع والاندراس، اُكتُفي به، فتلاشت الدّواعي على إثره، إلاّ أنّ تصرّف الزّمان، وتقلّباته، ونكباته أودى بالمنقول فأعدمه بعد ذلك، لا سيّما مع ما هو معلوم بالضّرورة مِن فقدان مقدار هائل مِن الموروث الرّوائي؛ مِن مدوّنات مُتمحضّة بالرّواية، ومُصنّفات فقهية مُشتملة عليها في الجُملة، جرّاء ما أحدثته الضّروف الموضوعيّة القاسية التي اكتنفت المدرسة الشّيعيّة وحواضرها العِلميّة بصفة كُلّيّة.
وفي نصّ مُعبِّر يقول العلاّمة المجلسي الأوّل (قده) : (كانت الأصول عند ثقة الإسلام، ورئيس المُحدّثين، وشيخ الطّائفة، وجمعوا منها هذه الكتب الأربعة، ولمّا أُحرقت كتب الشّيخ وكتب المفيد ضاعت أكثرها، وبقي بعضها عندهم حتّى أنّه كان عند ابن إدريس طرف منها، وبقي إلى الآن بعضها، لكن لمّا كان هذه الأربعة كتب موافقة لها وكانت مرتبة بالتّرتيب الحسن ما اهتموا غاية الاهتمام بشأن نقل الأصول)[64].
وفي نصّ دالّ يطل على المشهد ويقترب من تفاصيله أكثر، يقول العلاّمة المجلسي الثّاني (قده) : (بعد الإحاطة بالكتب المتداولة المشهورة تتبّعت الأصول المعتبرة المهجورة التي تركت في الأعصار المتطاولة والأزمان المتمادية إمّا: لاستيلاء سلاطين المخالفين وأئمّة الضّلال، أو: لرواج العلوم الباطلة بين الجُهّال المُدّعين للفضل والكمال، أو : لقلّة اعتناء جماعة مِن المُتأخّرين بها، اكتفاءً بما أُشتهر منها؛ لكونها أجمع، وأكفى، وأكمل، وأشفى مِن كل واحد منها... حتّى اجتمع عندي بفضل ربي كثير مِن الأصول المُعتبرة التي كان عليها معوّل العُلماء في الأعصار الماضية، وإليها رجوع الأفاضل في القرون الخالية، فألفيتها مشتملة على فوائد جمّة خلت عنها الكتب المشهورة المُتداولة، واطّلعت فيها على مدارك كثير مِن الاحكام اعترف الأكثرون بخلو كلّ منها عمّا يصلح أنْ يكون مأخذاً له).[65]
أقول: ومِمّا يستوقفنا -مثلاً- في القرن الثّالث الهجري فقط ضياع مقدار هائل مِن التّركة الرّوائية، وفيه قسم كبير مِمّا يرتبط بالصّلاة، والدّعاء، وإليك بعض ذلك:
1. محمّد بن سليمان بن الحسن أبو طاهر الزّراري (قده)، له كتب، منها: كتاب الدّعاء، لم يصل[66] منها شيء!
2. إبراهيم بن محمّد الثّقفي (قده) له كتب كثيرة في التاريخ والفقه والتفسير والعقائد تربو على الخمسين كتاباً، منها: الجامع الكبير في الفقه، والجامع الصغير، وهي مِن المفقودات.
3. وسعد بن عبدالله الأشعري القمي (قده) له كتب كثيرة في الفقه والحديث، مذكورة في الفهارس، كتاب الصّلاة، والمنتخبات في نحو من ألف ورقة، وكتبه من المفقودات، ولم يصلنا إلاّ جزءً يسيراً تم انتخابه من كتاب بصائره.
4. محمّد بن الحسن الصّفار القُمّي (قده) له كتب كثيرة في الفقه والحديث مذكورة في الفهارس، ولم يصلنا سوى كتاب بصائر الدّرجات!
5. محمّد بن خالد البرقي (قده)، له كتب كثيرة في الفقه والحديث منها: كتاب يوم وليلة، لم يصلنا منها شيء!
6. محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه، المُلقّب ببندار (قده) له عدّة كتب الفقه والحديث، منها: كتاب المشارب الذي قصد فيه أنْ يعرف حديث رسول الله (ص)، لم يصلنا من آثاره شيئاً!
7. محمّد بن علي بن محبوب الأشعري القُمّي (قده)، له كتب كثيرة في الفقه والحديث، منها: كتاب الصّلاة، لم يصلنا منها شيء!
8. أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (قده)، له عدد كبير جداً من الكتب في الفقه والحديث، منها: كتاب الدّعاء، لم يصل منها شيء، سوى الرّجال وجزء من كتاب المحاسن.
9. علي بن الحسن بن علي بن فضال (قده) ، له كتب كثيرة جداً، منها: كتاب الصّلاة، وكتاب الدّعاء، لم يصل منها شيء!
10. محمّد بن أورمة القُمّي (قده)، له كتب كثيرة جداً، منها: الصّلاة، الدّعاء، لم يصل منها شيء!
11. محمّد بن عبّاس بن عيسى (قده) ، له عّدة كتب في الفقه والحديث، منها: كتاب الدّعاء، لم يصل منها شيء!
أقول: والقائمة تطول فيما لو انتقلنا إلى القرن الرّابع، واقتفينا آثاره كذلك، ولكن لا بأس بالإشارة إلى بعض العلامات الفارقة، فمِن ذلك مثلاً:
1. أحمّد بن محمّد بن الحسين بن دُؤْل القُمّي (قده) له كتب كثيرة جداً بلغت مئة كتاب، منها كتاب الصّلاة، والسّنن، والدّعاء، لم يصل منها شيء!
2. علي بن حاتم بن أبي سهل القزويني (قده)، له نحو من ثلاثين كتاباً على ترتيب كتب الفقه، ويوم وليلة، وغيرها كثير، لم يصلنا منها شيء!
3. علي بن الحسين بن بابويه القُمّي (قده)، والد الشيّخ الصّدوق (قده)، صنّف كتباً كثيرة منها الشّرائع، الصّلاة، التّفسير، قرب الإسناد، لم يصلنا منها إلاً الإمامة والتّبصرة من الحيرة.
4. علي بن حمّاد الشّاعر العدوي (قده)، له تصانيف كثيرة جداً، منها الصّلاة، وشرائع الإسلام، لم يصل منها شيء!
5. الشّيخ الصّدوق (قده) صنّف نحواً مِن ثلاثماءة مصنّف، منها كتابه الكبير مدينة العلم، الذي جعله والد الشّيخ البهائي (قده) من الأصول الخمسة[67] مُنضماّ مع الكتب الأربعة (الكافي، والفقيه، والتهذيب، والاستبصار)، لم يصل، ولم يصل من كتبه إلاّ النّزر اليسير!
6. محمّد بن مسعود العيّاشي (قده) له ما يزيد على مائتي كتاب في أكثر الفنون وشتّى العلوم، لم يصلنا سوى منتخب تفسيره فقط!
أقول: وإذا رجعنا قليلاً إلى القرن الخامس الهجري، فسيواجهنا في طليعة أصحاب المفقودات:
1. الشّريف المرتضى (قده)، ألّف كتباً كثيرة، قيل بلغت تسعة وثمانين كتاباً، لم يصل منها إلاّ القليل جداً!
2. محمّد بن علي بن عثمان أبو الفتح الكراجكي (قده)، له عدّة كتب، قيل بلغت ثمانية وثمانين كتاباً، منها: البستان في الفقه، مفقود، وأمّا سائر كتبه لم يصل منها سوى القليل جداّ.
3. الشّيخ المُفيد (قده) صنّف كتباً كثيرة جداً، تبلغ مئة وأربعة وسبعين كتاباً، وقيل تجاوزت المئتين، ولم يصل منها سوى أقلّ القليل.
أقول: إنّ المُطالعة والتّفتيش يكاد يورث قطعاً بأنّ أيّ دعوى في القطع بعدم وجود رواية ما عنهم (صلوات الله وسلامه عليهم) لا تخلو مِن مُجازفة؛ فلا يصحّ الاكتفاء بما هو مطبوع ومُتداول في الأسواق لتكوين قناعة قاطعة بعدم الصّدور في ظلّ مثولنا أمام حقيقة فقدان وضياع الكُتب والآثار.
والمُتحصّل: أنّه لا سبيل للجزم بعدم صدور شيء مِن الأئمّة (صوات الله وسلامه عليهم) في ظل وجود ذلك الهدر الذي تعرّض له الموروث الرّوائي والفقهي مع بالغ الأسف!
الوجه الثّالث: وهو مِن مُتفرّعات الوجه الثّاني، سوى أنّ الثّاني كان ثبوتيّاً، وهذا الوجه إثباتيّاً إلى حدّ ما، وحاصله:
أنّ عدم الظّفر بشيء مِن الرّوايات في حدود المصادر والمدوّنات المُتاحة في هذه الأزمنة لا يقضي بأنّ ما كان موجوداً في زمن السّيد ابن طاووس (قده) مثلاً فهو محكوم بالوضع بحجّة أنّ لا أثر له في الرّوايات التي بين أيدينا، وأنّ أوّل ظهور فِعلي للرّواية الكذائيّة كان في القرن السّابع الذي احتضن طبقة السّيد ابن طاووس (قده) وزملاءه ومشايخه، وبصحبة دعوى عريضة تتضمّن نفي وجود الرّواية عند القدماء بضرس قاطع!، وبالتّالي يُجزم بكونها مُختلقة! أو تمّ تسريبها إلى موروثنا الرّوائي! ، وتسلّلها إلى الوعي الشّيعي! ، ونفوذها إلى الثّقافة الشّيعيّة! ، وما شأنه أنْ يُحدث استيحاشاً مِن مثل نقل السّيد ابن طاووس (قده) ومَن كان في طبقته، ولو بالاستناد إلى مثل ما ذكره سماحة السّيد (حفظه الله تعالى) في المقام، وهو: عدم الانسجام بين عِظَم الثّواب وغياب الخبر، وكون للخبر موطئ قدم في محيط الخطّ السّني، وإنّي لا أرى هذا إلاّ خلطاً بين مقامي الثّبوت والإثبات.
والسّر في ذلك: مُضافاً لما ذكرناه في (الوجه الثّاني) ؛ أنّ السّيد ابن طاووس (قده) وأمثاله يتوفّر على ما لا سبيل لنا إليه، مِن مصادر وكُتب المُتقدّمين من أصحابنا الإماميّة (نوّر الله برهانهم، وأعلى كلمتهم)، وبلورة هذه الفكرة تستدعي منّا أنْ نعقد مبحثاً مُختصراً يختزل الموقف، ويعيد ترتيب مواقعه، ورسم ملامحه بما يلتقي مع الواقع ويُلامس الحقيقة بعيداً عن الاستبعادات والاستحسانات، وبما يرفع الاستيحاش عن نقولات السّيد ابن طاووس (قده)، ويُسهم في دفع تُهمة الوضع عمّا ينقله.
لماذا ينفرد أمثال السّيد ابن طاووس (قده) بنقل بعض الأعمال والأدعيّة مِمّا لا نجده في سائر المصادر المُتقدّمة عليه؟
والجواب عن ذلك: أنّه (قده) كان يتوفّر على مكتبة عظيمة في حاضرة الحلّة مِن أرض العراق[68]، تشتمل على عدد كبير جِدّاً مِن كُتب الأدعيّة، ويظهر أنّها لم تكن جميعها عند غيره.
قال (قده) في كتابه (كشف المحجّة)، الذي فرغ منه في سنة 649 هـ : (وهيّأ الله جلّ جلاله عندي عدّة مجلدات في الدّعوات، أكثر من ستين مجلداً، فالله في حفظها والحفظ من أدعيتها، فإنّها من الذّخائر التي يتنافس عليها العارفون في حياطتها، وما أعرف عند أحد كثرتها وفائدتها).[69]
ثمّ ما لبث أنْ ارتفع عدد كتب الأدعيّة ليصل إلى سبعين مجلّداً قبل وفاته بسنتين تقريباً، حين كان يؤلّف كتابه (مُهج الدّعوات)، حيث يقول: (هذا آخر ما وقع في الخاطر أنْ أثبته من الأدعية في الحال الحاضر في كتاب مُهج الدّعوات ومنهج العنايات، ولو أردنا إثبات أضعافه، وكلما عرفناه، كنّا خرجنا عمّا قصدناه؛ فإنّ خزانة كتبنا في هذه الأوقات أكثر من سبعين مُجلداً في الدّعوات، وإنّما ذكرناه ما يليق بهذا الكتاب).[70]
ولذا قال المُحقّق الطّهراني (قده) : ( فظهر أنّ جميع ما أورده السّيد مِن الأدعيّة والأعمال في عشرة مجلّدات كتابه التّتمات-أقول: والذي مِنه (الإقبال)- كلّها منقول مِن تلك الكتب الكثيرة التي لم يهيأ لأحد قبله ولا بعده).[71]
أمثلة وتطبيقات على ما وصل إلى السّيد ابن طاووس (وقده)، ولم يصلنا:
إليك بعض النّماذج الواضحة التي تخدم الفكرة، والتي قادني إليها التّتبع :
النّموذج الأوّل: الشّيخ محمّد بن الحسن الصّفار القُمّي (قده)، له كتاب (الدّعاء)[72]، و(فضل الدعاء)، وهي مِن جُملة مفقودات التّراث الشّيعي العظيم.
ويظهر أنّهما كانا عند السّيد ابن طاووس (قده)، حيث ينقل عن الأوّل في كتابه (مهج الدّعوات)[73]، وعن الثّاني في كتابه (الإقبال)[74]، و(محاسبة النّفس)[75]، و(مهج الدّعوات).[76]
كما يظهر أنّ الثّاني أيضاً عند الكفعمي (قده) (ت: 950 هـ) ، حيث ينقل عنه في كتابه (المصباح).[77]
على أنّ كتاب (فضل الدّعاء) لم أظفر بذكر له في (فهرست) الشّيخ والنّجاشي (قدهما)، ولم يذكر عنه العلاّمة الطّهراني في كتابه (الذّريعة)[78] شيئاً سوى ما استفاده (قده) من نقل ابن طاووس والكفعمي عنه، وكيفما كان؛ فإنّه غير بعيد؛ إذْ لا يدّعي الشّيخ والنّجاشي (قدهما) استيفاء جميع كتب ومصنّفات الأصحاب.
يقول الشّيخ في مقدّمة (الفهرست) : (فإذا سهل الله تعالى اتمام هذا الكتاب ، فإنه يطلع على أكثر ما عمل من التّصانيف والأصول، ويعرف به قدر صالح من الرّجال وطرائقهم، ولم أضمن أنّي أستوفى ذلك إلى آخره، فإنّ تصانيف أصحابنا وأصولهم لا تكاد تضبط لانتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض)[79].
ويقول النّجاشي (قده) : (وقد جمعت من ذلك ما استطعته، ولم أبلغ غايته، لعدم أكثر الكتب، وإنّما ذكرت ذلك عذراً إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره).[80]
النّموذج الثّاني: الشّيخ سعد بن عبدالله الأشعري القُمّي (قده)، مِن جُملة كتبه المفقودة (فضل الدّعاء والذّكر)، و(الدّعاء)، مذكوران في (فهرست) الشّيخ النّجاشي (قده)[81]
نقل عن الأوّل السّيد ابن طاووس (قده) في كتابه (مُهج الدّعوات)[82]، و(الإقبال)[83]، ونقل عن الثّاني في (الأمان من أخطار الأزمان والأسفار)[84]، و(فتح الأبواب)[85]، و(مُهج الدّعوات).[86]
النّموذج الثّالث: الشّيخ الصّدوق (قده)، كان عنده كتاباً كبيراً بعنوان (مدينة العِلم) أكبر مِن كتاب (لا يحضره الفقيه)!، بشهادة شيخ الطّائفة (قده) في (الفهرست)[87]، كما ذكره الشّيخ النّجاشي (قدهما) في فهرسه[88] أيضاً، وكان متداولاً في زمن والد الشّيخ البهائي (قده) (ت: 984 هـ)، كما ذكرنا فيما مضى، وقد جعله (قده) مِن الأصول الخمسة[89]، وهذا الكتاب كان قبل ذلك متوفّراً في زمن السّيد ابن طاووس (قده)، حيث نجده ينقل عنه في كتابه (فلاح السّائل).[90]
النّموذج الرّابع: شيخ الطّائفة الطّوسي (قده)، فمن كتبه المفقودة حتى الآن كتابه (هداية المُسترشد وبصيرة المتعبّد)، ذكره في (الفهرست).[91]
وهذا الكتاب -بحسب ما تتبعته- على ما تشهد به بعض الإجازات التي أثبتها العلاّمة المجلسي (قده) في آخر (البحار)؛ كان عند السّيد محيي الدّين محمد بن عبدالله بن زهرة الحلبي (قده)[92] (ت: حدود 638 هـ)، وصله يداً بيد اتصالاً بالشّيخ نفسه (قده)، فقد رواه عن أبيه (قده)، عن عمّه السّيد أبي المكارم (قده)، عن السّيد أبي منصور النقاش، عن ابن الشّيخ الطّوسي، عنه (قدهم)[93].
وهو من جملة ما وصل للسّيد ابن طاووس (قده)، حيث نقل عنه في كتابه (فتح الأبواب)[94].
النّموذج السّادس: الشّيخ محمّد بن هارون التلعكبري (قده) ، وهو مُعاصر الشّيخ النّجاشي (قده)، وقيل أنّ له كتاباً بعنوان: (مجموع الدّعوات) أو (مجموع التلعكبري)[95]، نقل عنه السّيد ابن طاووس (قده) في (مُهج الدّعوات)[96]، والشّيخ الكفعمي (قده) في (المصباح).
النّموذج السّابع: الشّيخ محمّد بن علي الطّرازي، الذي قيل أنّه في طبقة الشّيخ النّجاشي (قده) مِن المُتقدّمين، ذكر المُحقّق الطّهراني (قده) في (الذّريعة)، و(طبقات الشّيعة) أنّ له كتاباً بعنوان: (الدّعاء والزّيارة). [97]
أقول: لم يتّضح لي المُستند الذي لاحظه المُحقّق الطّهراني في إثبات اسم كتابه، فالقدر المُتيقّن أنّ له كتاباً ينقل عنه السّيد ابن طاووس (قده) جُملة من الأدعيّة والزّيارات، وهو أعمّ مِن كون كتابه مُخصّصاً لذلك، أو أنّه بهذا الاسم.
وكيفما كان؛ فإنّ السّيد ابن طاووس نقل عنه كثيراً في كتابه (الإقبال)[98]، ونقل عنه في (جمال الأسبوع).[99]
تذييل: وضوح الجواب عن إشكال آخر لسماحة السّيد (حفظه الله تعالى)
وبذلك يظهر الجواب عن إشكال آخر خارج عن إطار هذا البحث، أثاره سماحة السّيد (حفظه الله تعالى) حول بعض الأدعيّة المُتداولة كدعاء (القدح)، والذي خصّصت له بحثاً مُستقلاَ، أنشره قريباً بمشيئة الله تعالى.[ ثانياً: عدم ذكرها وقبولها في كتب القُدماء الفقهية]
الجِهة الثّانية: الجواب عن الأمر الثّالث (=عدم قبول مُتقدّمي أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) للرّواية، وإغفالهم إياّها في مدوّناتهم الفقهيّة القديمة).أقول: ويقع الجواب في مطلبَيْن:
المطلب الأوّل: تفكيك إفادة سماحة السّيد (حفظه الله تعالى)
يُستفاد مُن كلام سماحته (حفظه الله تعالى) أنّه يرتكز على أمر مركّب مِن مجموع حيثيّتَيْن:
الأوّلى: عدم تعرّض قُدماء الفقهاء لصلاة الرّغائب.
الثّانية: عدم قبولهم إيّاها.
المطلب الثّاني: المُناقشة
أقول: يُمكن الجواب عن حيثيَّتَي الإشكال، كُبرويّاً تارة، وصغرويّاً أخرى:أوّلاً: الجواب عن الصّغرى
أمّا مِن جِهة الصّغرى؛ فإنّ مُراد سماحته (حفظه الله تعالى) لا يخلو مِن أحد أمرَيْن:الأوّل: أنّ عدم حضور رواية (صلاة الرّغائب) في الجوّ الفقهي السّائد عند مُتقدّمي الفقهاء، وغياب أثرها عندهم (رضوان الله تعالى عليهم) يكشف كشفاً إنّيّاً عن وضع الرّواية واختلاقها في قرون مُتأخّرة.
الثّاني: أنّ لذلك كاشفيّة عن كونها موضوعة في زمن مُتقدّم، فوضعها هو ما دفع قدُماء الأصحاب إلى عدم ذكرها والتّعرض لها في كُتبهم، مع كونها كانت في نطاق اطّلاعهم، وبمرأى منهم ومسمع.
وبكلمة أخرى: أنّ الخبر كان موجوداً في زمن مُبكّر، إلاّ أنّ القُدماء لم يعتنوا به، وحينئذ: يكون عدم تعرّضهم له موجباً للحُكم بوضعه عندهم.
على أنْ يُضمّ لكلا الأمرَيْن سائر القرائن المذكورة، وهي حسب الفرض قرينتان، درسناهما بما لا مزيد عليه فيما مضى.
والحقّ: أنّه على كلا التّقديرَيْن؛ لا يتمّ الإشكال، وبيانه:
أمّا على التّقدير الأوّل: فإنّ عدم تعرّض القُدماء لا يوجب القطع بعدم وجود الرّواية عندهم؛ ضرورة أنّ موجب عدم التّعرض أعمّ من ذلك وغيره؛ ولذا يقول المُحقّق السّيد البروجردي (قده) -على ما جاء في تقرير بعض أبحاثه- : (وجود الفتاوى في المسألة يستكشف النّص، لا أنّ مِن عدمها انكشف عدم النّص، كما لا يخفى).[100]
ولا يخفى أنّ القرائن المذكورة لا تقتضي تعيين شيء مِن العرض العريض مِن أسباب عدم التّعرض وموجباته، على أنّها موهونة كما اتّضح في محلّه.
وأمّا على التّقدير الثّاني: فالجواب في عدّة أمور:
أوّلاً: أنّ محض عدم تعرّض القُدماء لهذه الصّلاة في مجاميعهم الفقهيّة لا يوجب في نفسه القدح في الرّواية، بعد كون الأسباب والدّواعي مُتكثّرة لا يُمكن اختزالها بدعوى أنّ وهناً طرأ على الرّواية، ولا تفيد سائر القرائن الأخرى المذكورة في إرجاع عدم التّعرض إلى اشتمال الرّواية (سنداً أو متناً) على ما يوجب القدح بها.
ثانياً: أنّ عدم قبولهم لها؛ مِمّا لا سبيل لإحرازه، إلاّ بدعوى أنّ عدم تعرّضهم كاشف عن عدم القبول، ومِن ثمَّ يكشف عن ثمّة خلل يعتري الرّواية، إلاّ أنّ هذا غير ناهض في نفسه؛ إذْ عدم التّعرض أعم مِن هذا وغيره، ولا يوجد ما يدل على التّلازم بينهما، *ومرّ الجواب عنه في (أوّلاً).
اللّهم إلاّ أنْ يُراد: ما يُصطلح عليه في الأدبيّات الفقهيّة بـ(إعراض المشهور)، الموجب للخِدشة في الرّواية.
إلاّ أنّ: هذا خلطٌ بين الإعراض وعدم التّعرض، فإنْ كان مُراده (حفظه الله تعالى) الأوّل؛ فإنّه وإنْ كان موجباً لسقوط الحُجيّة؛ لكونه كاشفاً عن وهن الخبر -كما عليه جماعة من الأعاظم- ، إلاّ أنّ القدر المُتيقن من مفاده أنّه كاشف عن وجود خلل -على الجملة- في سنده؛ ما يُفقدنا معه ما يُثبت الصدور، فيقدح في الوثوق بصدوره، وهو لا يُساوق أنْ يكون الخلل مِن قبيل وضع الخبر وكذبه، فقد يكون منشؤه هو الضّعف بإحدى مراتبه دون مرتبة الوضع والكذب، وهذا المقدار من وهن السّند، ولا يوجد في البين ما يُشخّص مرتبة الضّعف على حدّ التّعيين، والخِدشة فيه ليس مانعاً من كونه مشمولاً بقاعدة التّسامح في أدلّة السّنن أو موضوعاً لإجراء رجاء المطلوبيّة، واحتمال أنّ منشأ الإعراض غير ثبوت وضعه؛ متين ليس ثمّة ما يدفعه، فلاحظه.
وإنْ كان مُراده (حفظه الله تعالى) الثّاني؛ فإنّه -كما قُلنا- لا علاقة له بتبعات الأوّل!
ثانياً: الجواب عن الكُبرى
وأمّا مِن جهة الكُبرى؛ فإنّ ما يوجب الحُكم بالوضع -حسب الفرض- غير مُتحقّق أصلاً؛ سواء كان المقصود هو عدم التّعرض، أو المَعْني هو الإعراض المُصطلح، وبيانه يستدعي أنْ نعقد المبحث الآتي:موقف المُتقدِّمين مِن صلاة الرّغائب (رصد وتحليل) :
وإبداء الرّأي بهذا الشّأن على نحو دقيق يتطلّب استعراضاً فاحصاً للمُنجز الفقهي عند المُتقدّمين، ومُلاحقة نتائج اشتغالات الفقهاء في تلك المرحلة فيما يرتبط بما نُرشّح أنْ نسمّيه هنا بصلوات الشّهور؛ فنسترشد بذلك إلى تصوّر يُقارب النّسق الفقهي عندهم، والذي يُمكن مِن خلال انتزاع موقفهم مِن مسألة صلاة الرّغائب، وما يترتّب على ذلك من نتائج لها مدخليّة في مسار البحث.
وأوّل ما يصادفنا في هذا السّياق غياب ما سمّيناه صلوات الشّهور في (المُقنع)[101]، و(الهداية)[102] للشّيخ الصّدوق (قده)، سوى ما يذكره في الأخير مِن صلاة التّسابيح (=صلاة الحبوة)، وهي صلاة جعفر الطّيار، والتي تُدرج عادة في بعض أعمال نوافل شهر رمضان المُبارك، فالمسألة غير مُتعرّض لها في هذا المقدار الواصل لنا مِن كُتبه.
نعم، نجد في جُملة آثار الشّيخ الصّدوق (قده) كتاب (فضل شهر رجب)، وهو المُتداول في هذه الأزمنة ضِمن كتاب واحد يشتمل على ثلاثة كتب بعنوان (فضائل الأشهر الثّلاثة: رجب، شعبان، رمضان)، ولم يذكر (قده) شيئاً له ربط بصلاة الرّغائب، مع كون الكتاب يُناسب إيرادها، ولكن يُمكن الاعتذار عن ذلك بأحد أمرَيْن:
الأوّل: أنّ الكتاب جاء محدوداً في حجمه، وعدد رواياته، حيث لم يشتمل إلاّ على 18 رواية، كما جاء مجرّداً عن أي توضيح مِن قِبل صاحبه (قده)، ومعه تختفي ملامح منهجه وخطّته التي أرادها فعلاً؛ إذْ لا يشتمل على مقدِّمة يُمكن أنْ نستوضح مِن خلالها هدفه مِن الكتاب على نحو دقيق، ولا تعاليق وبيانات توقفنا على مُنطلقه ومرامه، والقدر المُتيقّن مِن مُطالعة الكتاب وتورّقه أنّ فيه بعض الأخبار التي تتضمّن فضائل شهر رجب، وحينئذ: لا سبيل للتّعرف على سرّ عدم تطرّقه لصلاة الرّغائب.
الثّاني: بمعونة مُراجعة سائر مُصنّفاته (قده) يظهر أنّ الواصل إلينا مِن الكتاب لا يُغطّي جميع أخبار الباب، ويُمكن التماس عدّة شواهد على ذلك، مِنها -مثلاً- أنّه نقل في كتابه (المقنع) رواية لا نجدها في كتابه (فضل شهر رجب)، وهي أنّه: (في خمسة وعشرين مِن رجب بعث اللّه محمّداً (ص)، فمن صام ذلك اليوم كان كفّارة مائتي سنة).[103]
وهذه الرّواية حقّها أنْ تندرج مع نظائرها في الكتاب المذكور، وحينئذ: يُمكن أنْ نُفسّر ذلك بأحد الوجوه الآتية، ويصلح كلٌّ منها للجواب عن غياب رواية صلاة الرّغائب عن الكتاب، مع كونها مِن أفراد موضوعه، فإمّا أنْ نقول -مثلاً- :
1. أنّ الكتاب وصل ناقصاً.
2. أنّه (قده) لم يُصنّف كتابه بداعي الشّمول والاستيعاب.
3. أنّه (قده) لم يكن حاضراً عنده بعض المصادر حين التّصنيف.
وغير ذلك مِن الوجوه المعقولة التي تُزاحم دعوى قد تُثار في المقام، حاصلها: أنّ عدم نقله (قده) لرواية صلاة الرّغائب في الكتاب؛ كاشف عن عدم وجودها في زمن الصّدوق (قده)، فهي موضوعة فيما تأخّر عن زمانه، أو أنّها تسرّبت إلى محيطنا مِن المخزون الثّقافي للعامّة.
والحاصل: أنّ مِثل هذه الدّعوى في غاية الإشكال، والجواب عنها قد اتّضح حلاًّ (في الأمر الأوّل، والشّق الثّاني مِن الأمر الثّاني)، ونقضاً (في الشّق الأوّل مِن الأمر الثّاني).
ثمّ برزت أوّل ملامح صلوات الشّهور عند الشّيخ المُفيد (قده) في (المُقنعة)[104]، وهي: صلاة الغدير، وصلاة يوم المبعث، وصلاة ليلة النّصف مِن شعبان.
وفي كتاب (مسار الشّيعة) الذي يتعرّض فيه لمناسبات الشّهور مقرونة بأعمالها؛ نجده (قده) لا يذكر شيئاً يتّصل بصلاة الرّغائب في أعمال شهر رجب.[105]
بينما لا يُذكر في (الانتصار)[106] و(جمل العلم والعمل)[107] للسّيد المُرتضى (قده) غير نوافل شهر رمضان المُبارك، وتغيب تماماً في (النّاصريات)[108]، ولعلّ ذلك راجع لشرائط تلك الكُتب وخطّتها، وقد تقدّمت الإشارة إلى أنّ الشّريف المرتضى (قده)، ألّف كتباً كثيرة، قيل بلغت تسعة وثمانين كتاباً، لم يصل منها إلاّ القليل جداً!
ثم يشْخَص أمامنا (الكافي في الفقه)[109] لأبي الصّلاح الحلبي (قده)، فهو وإنْ اشتمل على صلاة الغدير، وصلاة ليلة النّصف مِن شعبان، وصلاة يوم المبعث، ونوافل شهر رمضان المُبارك، إلاّ أنّ النّسخ الواصلة إلينا مِن الكتاب ناقصة، لا يُمكن الوثوق والاطمئنان مِن اشتمال أصل الكتاب على غيرها أو عدمه.
ثم يتنامى عدد الصّلوات في (المراسم العلوية)[110] لسلاّر الديلمي (قده) ليُضاف إليها صلاة يوم عاشوراء، إلاّ أنّ كتابه هذا مبني على الاختصار[111]، وقد أحال في مبحث الاختلاف في ترتيب صلوات شهر رمضان المُبارك إلى كتاب موسّع له، قال (قده) : (ونحن نذكر الأظهر في الرواية، وكتابنا الكبير، يتضمن الخلاف في ذلك)[112] مِمّا يوحي أنّه ليس في وارد التّوسع ونحوه، على أنّه يُصرّح في (المُقدّمة) بأنّه يسلك طريق الاختصار[113]، مُضافاً إلى أنّ له (قده) عدّة كتب أخرى، منها المقنع في المذهب، لم يصلنا!
وأمّا الشّيخ الطّوسي (قده)، فيتفاوت مقدار الصلّوات التي يذكرها في كُتبه الفقهيّة، فإنّه يذكر في (المبسوط)[114]: صلاة الغدير، وصلاة يوم المبعث (أو ليلته)، صلاة يوم النّصف مِن شعبان، ونوافل شهر رمضان، إلاّ أنّه ساق الصّلوات على نحو التّمثيل، بما يظهر معه أنّه ليس على شرط الاستقصاء والاستيفاء.
وبهذا المقدار اكتفى (قده) في (النهاية في مجرد العمل والفتوى)[115]، وكذا فعل في (الاقتصاد)[116]، إلاّ أنّه لم يكن في مقام الاستيعاب، ولذا قال في آخر بحثه: (المرغبة فيها كثيرة جدّاً ذكرناها في مصباح المُتهجّد في عمل السّنة، وفيما ذكرناه ههنا كفاية إنْ شاء الله)[117].
وفي مقابل ذلك نجده (قده) لا يستحضر في (الخِلاف) سوى نوافل شهر رمضان المُبارك[118]، وينحسر الحديث عن صلوات الشّهور في (عمل اليوم والليلة) فلا يُذكر بشيء[119]، وكذا في (الجمل والعقود في المعاملات والعبادات)[120].
والتزم ابن البّراج (قده) بهذا المسلك في (المهذّب)[121] ، حيث لا يتعرّض إلاّ لنوافل شهر رمضان، وصلاة عيد الغدير، وصلاة يوم المبعث، وصلاة ليلة النّصف مِن شعبان، وصلاة يوم عرفة، ولعل ذلك راجع إلى انتماء ابن البّراج (قده) لعصر الجمود والرّكود الفقهي الذي أعقب شيخ الطّائفة (قده)، واقتحم الفضاء الفقهي الشّيعي، وجمد على نتاج الشّيخ (قده)، فامتدّت من عصره، أي مِن منتصف القرن الخامس واستغرقت حتّى منتصف القرن السّادس، ثم ما لبثت أنْ تنجلي على يد ابن إدريس الحلّي (قده)، حيث قاد حركة نقديّة جادّة وجريئة. وإنْ كانت لابن البرّاج جهود يُخالف فيها بعض آراء شيخ الطّائفة (قده)[122]، على أنّ له أيضاً له عدّة كتب في الفقه وغيره، وصل بعضها ولم يصل منها: (روضة النّفس في العبادات الخمس)، و(الكامل)، و(الموجز) وغير ذلك!
ثمّ إذا رجعنا قليلاً وأمعنّا فيما تأخّر عن زمن الشّيخ، فنجد مثلاً في (المؤتلف من المختلف بين أئمّة السّلف) لأمين الإسلام الطّبرسي (قده) يقتصر على نوافل شهر رمضان المُبارك[123].
وكذا في (الوسيلة) لابن حمزة الطّوسي (قده).[124]
وأمّا (سلوة الحزين)[125] الذي هو كتاب دعوات ونحوها لقطب الدّين الرّاوندي (قده) فلم يذكر شيئاً مِن صلوات الشّهور، على أنّ النّسخة الواصلة إلينا ناقصة.
وفي (غُنية النّزوع)[126] لابن زُهرة (قده) ذكر نوافل شهر رمضان المُبارك، وصلاة الغدير، وصلاة المبعث، وصلاة النّصف مِن شعبان، على أنّ ، له (قده) عدّة كتب، لم تصلنا منها: (الرّائع في الشّرائع)، (إحكام الأحكام)، وغيرها!
وفي (إشارة السّبق)[127] لأبي المجد الحلبي (قده)، : نوافل شهر رمضان، وصلاة ليلة المبعث، وصلاة ليلة النّصف مِن شعبان، وصلاة يوم الغدير.
وفي (السّرائر)[128] لابن إدريس الحلّي (قده) ، مثله، سوى صلاة يوم الغدير، وأضاف صلاة النّوروز.
ويتحصّل من جميع ما تقدّم:
على ضوء القراءة المُتقدّمة يُمكن الخروج بنتيجة مفادها: أنّ إعراض القُدماء بالقدر المطلوب لتوجيه التّهمة للخبر والخِدشة فيه؛ غير مُحرز أصلاً، بل وحتّى عدم التّعرض مِن قِبلهم، والدّليل على ذلك أمور:الأوّل: أنّ إعراض مشهور القدماء ما قبل الشّيخ المُفيد (قده) غير مُحرز، ولا سبيل للكشف عن وعيهم بهذه المسألة، بالنّظر إلى ما بيّناه آنفاً، وتأسيساً على ذلك: لا تصح دعوى أنّ القُدماء أو مشهور القدماء قد بنوا على الإعراض عن الرّواية، وعدم تلقّيهم لها بالقبول، وكذا عدم تعرّضهم لها.
الثّاني: أنّ إعراض مشهورهم وعدم تعرّضه مِن زمن الشّيخ المُفيد (قده) وصولاً إلى شيخ الطّائفة، وانتهاءً بابن إدريس الحلّي غير مُحرز -بالجُملة- أيضاً، بلحاظ ما بيّناه آنفاً في تعليقاتنا المُلحقة بكل فقيه مِن قُدماء الأصحاب (أنار الله برهانهم).
نعم، مَن يُمكن قبول -على طريقة التّسليم- دعوى إعراضهم، وكذا عدم تعرّضهم عن صلاة الرّغائب هم خمسة فقهاء فقط!، -حيث نُسقط مِن حسابنا مَن لم يكن في وارد التّعرض لصلاة الشّهور على سبيل الاستيعاب، فاكتفى بإحداها، أو أقلّ القليل مِنها مِمّا تقدّم تفصيله- وهم: الشّيخ المُفيد (قده)، والشّيخ الطّوسي (قده)، وابن زُهرة (قده)، وأبو المجد الحلبي (قده)، وابن إدريس الحلّي (قده).
ومِن الواضح جِدّاً: أنّ هذا المقدار لا يُحقّق عنوان إعراض المشهور، أو إعراض القُدماء الموجب للقدح بالرّواية، ولا حتى عنوان عدّم التّعرض، ولا أظن أنّ فقيهاً يلتزم بذلك، فضلاً عن الالتزام بأنّ هذا المقدار موجب للحُكم بالوضع، ولو بضميمة سائر الدّعاوى الأخرى المذكورة كعدم العثور على شيء مِن الرّويات في هذا الخصوص في كُتب الحديث والرّواية.
المحصّلة النّهائيّة: تبيّن مِمّا تقدّم أنّ دعوى عدم تعرّض القُدماء لهذه الصّلاة بحدٍّ يُستكشف منه موقفهم السّلبي تجاه الرّواية، أو كون هذا موجب للطّعن بها على وجه الحُكم عليها بالوضع؛ مِمّا لا دليل عليه، ويقصر عن إثباته مقدار الكُتب والمجاميع الفقهيّة التي تمدّنا بالمعُطيات المطلوبة في هذا الاتّجاه.
وأمّا محاولة ترميم دعوى الوضع، وتدعيمها بسائر القرائن المُحتفّة المذكورة؛ فلا تفيد بشيء؛ بعد أنْ بيّنا وهن تلك القرائن بما لا مزيد عليه، على أنّها في نفسها لا -مع عدم فرض وهنها- لا تُحقّق القطع أو الوثوق المطلوب في الحُكم على الرّواية بالقطع.
الجِهة الثّالثة: مُناقشة الأمر الثّالث (= دعوى أنّ العامّة لم يقبلوا بالرّواية)
والجواب: أنّ ما أفاده ليس على ما ينبغي؛ فإنّه يُمكن أنْ يرد عليه حلاّ ونقضاً:أوّلاً: نقضاً
فإنّ يد التّتبع تنقضه، حيث نجد موقف العامّة على نحو مـتفاوت، وكلماتهم متبيانة، فبإزاء مَن اعترض على الرّواية، وضعّفها أو حكم بوضعها، توجد طائفة مِنهم مَن قبل العمل بها، إمّا تصحيحاً للرّواية نفسها، أو تمسّكاً بعمومات وإطلاقات تُصحّح العمل بها -بحسب نظرهم-، ولذا يُصرّح بعض فقهائهم، قال: (اشتدّ نزاع العلماء في هذه الصّلاة)[129].
واضطر مِثل السّبكي إلى الإقرار بكون للحديث أصل مع أنّه موضوع! ، قال في (طبقات الشّافعيّة) : (وق فله أصل على الجملة ولكنه موضوع)[130].
وإليك بعض مَن قَبِل العمل بالرّاوية:
(1) أبو حامد الغزالي ( ت : 505 هـ )، في (إحياء علوم الدّين)، وأهل القُدس - على ما صرّح هو بذلك - ، قال بعد إيرادها: (فهذه صلاة مُستحبّة، وإنّما أوردناها في هذا القِسم لأنّها تتكرّر بتكرّر السّنين، وإنْ كانت رتبتها لا تبلغ رتبة التّراويح وصلاة العيد؛ لأنّ هذه الصّلاة نقلها الآحاد، ولكنّي رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها، ولا يسمحون بتركها، فأحببت إيرادها)[131].
(2) عبدالقادر الجيلاني ( ت: 561 هـ )، ذكرها في (الغنية لطالبي طريق الحق عزّ وجلّ)، بعنوان : (فصلٌ في تأكيد الفضيلة في صوم أوّل الخميس مِن رجب والصّلاة في أوّل ليلة الجُمعة).[132]
(3) تقيّ الدّين ابن الصّلاح ( ت : 643 هـ )، في رسالته (الرّد على التّرغيب عن صلاة الرّغائب الموضوعة وبيان ما فيها مِن مخالفة السّنن المشروعة).[133]
ولذا يقوا الذّهبي في (السّير) : (وله مسألة ليست من قواعده شذ فيها وهي صلاة الرغائب قواها ونصرها).[134]
(4) القاضي السّراج؛ سراج الدّين عمر بن أحمد الأنصاري الشّافعي ( ت : 726 هـ)، قال السّخاوي في (التّحفة اللّطيفة) : (كان يصلّي إماماً للجماعة في الرّوضة النّبويّة صلاة الرّغائب التي تُصلّى ليلة أوّل جمعة مِن شهر رجب).[135]
(5) ابن الحاج ( ت : 737 هـ )، في (المدخل)، قال: (أنّ الكلام إنّما وقع على فعْلِها في المساجِد وإِظهارها في الجماعات، وما اشتملَت علَيه ممّا لا ينبغي كما تقدّم، وأمّا الرّجل يفعلها في خاصّة نفسه فيصلّيها سرّاً كسائر النّوافل فله ذلك)[136].
وقال في موضع آخر مِن كتابه : (وقد تقدّم أنّ فِعْل صلاة الرّغائب في جماعة بدْعة، ولو صلاّها إنسان وحده سرّاً لجاز ذلك)[137].
(6) جماعة مِن العُلماء، قال اليافعي ( ت : 768 هـ) في (مرآة الجنان) : قد ظهر لهما [أي صلاة الرّغائب والنّصف مِن شعبان] شعار في الأمصار، وصلاّهما العلماء الأحبار والأولياء الأخيار).[138]
(7) شمس الدّين محمّد بن حمزة الفناري ( ت : 843 هـ )، ذكر صاحب (كشف الظّنون) كتابه بعنوان (مُرشد المُصلّى)، وقال: (فيه تجويز صلاة الرّغائب، وليلة القدر، بل ترغيب لهما، فهجره جماعة)[139].
(8) ابن طولون الحنفي ( ت : 953 هـ )، له رسالة بعنوان (تقوية الرّاغب في صلاة الرّغائب)، وهو مِمّن يرى مشروعيّتها على ما يوحي بذلك عنوان رسالته، فإنّني لم أقف على مضمونها، والله العالم، والرّسالة لازالت مخطوطة، لم تُطبع بحسب مبلغ عِلمي، وهي محفوظة في معهد المخطوطات العربيّة في القاهرة.
(9) أبو الفداء إسماعيل حقّي الإستانبولي الحنفي الخلوتي ( ت : 1127 هـ )، قال في (روح البيان) : (والنّوافل مِثل صلاة الرّغائب...فإنّ صلاة الرّغائب تُصلّى بعد المغرب في ليلة الجمعة الأولى مِن شهر الله رجب...وتلك الصّلوات مِن مُستحسنات المشايخ المُحقّقين؛ لأنّها نوافل، أي زوائد على الفرائض والسّنن، وهذا على تقدير أنْ لا يكون لها أصل صحيح في الشّرع، وقد تكلّم المشايخ عليها، والأكثر على أنه (عليه السّلام) صلاّها؛ فلها أصل صحيح، لكن ظهورها حادث، ولا يقدح هذا الحدوث في أصالتها، على أنّ عمل المشايخ يكفى سنداً؛ فإنّهم ذووا الجناحَيْن، وقد أفردتُ لهذا الباب جزءً واحداً شافياً)[140]، وصرّح باستحبابها في موضع آخر أيضاً.[141]
(10) بعض المُعاصرين، قال السّقاف في بعض حواشيه على شرحه للعقيدة الطّحاويّة : (مسألة اعتراضه على الحافظ ابن الصّلاح في صلاة الرّغائب، والصّواب حليف ابن الصّلاح في هذه المسألة لا مع العزّ، وقد أبرق العزّ فيها وأرعد كثيراً مِن غير فائدة، وليس ههنا محلّ بسط الكلام في الرّد عليه في هذه المسألة، وقد وافقني على هذه المسألة سيّدي المُحدّث عبد العزيز ابن الصّديق عندما ذكرتها له ، ثم وقفت على كلامه عليها في كتابه (وصول التّهاني) ص (67) فوجدّته يقول هناك : (ولكنّ العزّ ابن عبد السّلام أخطاه التّوفيق في ردّه الأوّل والثّاني على ابن الصّلاح (رحمهما الله تعالى) رغم كون الموضوع سهلاً بسيطاً)[142].
(11) ووجدت لها موقفاً إيجابيّاً في تراث الزّيديّة، حيث يقول إمامهم الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة ( ت : 614 هـ ) في كتاب (وصيّة البنات): (ويتعلّمن أنواع صلاة النّوافل: كصلاة التّسبيح، وصلاة الرّغائب، وصلاة شعبان النّصف منه...).[143]
والحاصل: أنّ واقع التّعاطي مع المسألة ليس على وِفق ما يُصوّره سماحته (حفظه الله تعالى).
ثانياً: حلاً (=نقد تقييمات العامّة الرّجاليّة والحديثيّة)
والكلام فيها مِن جِهتَيْن:
الأولى: كُبرويّة
فإنّه لا عِبرة بتقييمات العامّة، وقد امتحنّاهم فوجدناهم يحكمون بوضع أو تضعيف الأخبار الصّحيحة المُتضافر، والأحاديث المتواترة، كحديث الطّير، وحديث باب العِلم، وحديث ردّ الشّمس، بل وحتّى حديث الغدير، وغير ذلك مِمّا يأبى في نفسه التّكذيب أو التّعيف، وتعثّر مسلكهم، وهوان طريقتهم لا تكاد تخفى على أحد.
والحاصل: أنّ تقييماتهم ليست واقعيّة غالباً، بل هي نفسيّة تحكمها الأهواء، ويقودها غير الحقّ!
وكيفما كان؛ فإنّ العُمدة في الاستناد إلى تقييماتهم هو تحصيل الاطمئنان مِن كلماتهم؛ فإنْ أفادته أوجب ذلك ترتيب الأثر المطلوب، وإلاّ فلا معنى للرّجوع إليهم في إثبات شيء أو نفيه.
الثّانية: صٌغرويّة
أنّ عُمدة ما يبتني عليه حُكمهم بوضع الخبر؛ هو اتّهام أحد رواته بوضعه، مع أنّه لا يوجد ما يدلّ عليه، وإنّما هي كعادتهم في ظنونهم وأوهامهم!
وتوضحه:
أنّ عُمدة طعنهم على الخبر بحدِّ جعلهم يرمونه في سلّة الموضوعات هو أنّهم اتّهموا فيه أحد رجال سنده، أعني: أبا الحسن علي بن عبد الله بن جَهْضَم الزّاهد، صاحب (كتاب بهجة الأسرار)، الذي كان ثقة مِن ثقات القوم وأئمّتهم.
قال الحافظ شِيرَوَيْه الدَّيْلَميّ: (كان ثقة صدوقاً عالماً زاهداً، حسن المُعاملة، حسن المعرفة بعلوم الحديث)[144].
وبالتتّبع ظفرتُ بتوصيفه بـ(الشّيخ الصّالح) في أحد أسانيد ابن عساكر في كتابه (تاريخ دمشق).[145]
وقد عثرتُ على حكم بعض حُفّاظهم بتحسين الحديث، فقد حكى الحافظ العراقي في أماليه -على ما نقله ابن عراق الكناني في كتابه (التّنزيه)- أنّ الحافظ أبو الفضل محمّد بن ناصر السلامي أورد الحديث في المجلس الرّابع عشر مِن أمالي ابن الحصين، وقال: إنّه حسن صحيح.[146]
ومع ذلك لم يسلم ابن جَهْضَم مِن لسان القوم، وإليك بعض كلماتهم في هذا الشّأن:
قال ابن الجوزي في (الموضوعات) : (هذا حديث موضوع على رسول الله (ص)، وقد اتّهموا به ابن جَهْضَم ونسبوه إلى الكذب، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون، وقد فتّشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم).[147]
وعلّق الذّهبي في (تلخيص الموضوعات لابن الجوزي) : (قلت: بل لعلّهم لم يُخلقوا).[148]
وقال في (المنتظم) : (وقد ذكروا أنّه كان كذاباً، ويُقال أنّه وضع صلاة الرّغائب).[149]
قال الذّهبي في (الميزان) : (مُتّهم بوضع الحديث...قال ابن خيرون: تُكلّم فيه. قال: وقيل إنّه يكذب. وقال غيره : اتهموه بوضع صلاة الرغائب).[150]
وقال في (السّير) : (ليس بثقَة، بل مُتّهم، يأتي بمصائب).[151]
وتبعه على ذلك بعبارته نفسها سبط ابن العجمي في (الكشف الحثيث).[152]
وقال ابن حجر في (الإصابة) : (معروف بالكذب).[153]
أقول: لم يقيموا دليلاً واحداً على دعواهم تلك! ؛ مُضافاً إلى أنّه لم يُعرف إلى الآن مِن وراء تكذيب ابن جَهْضَم في خصوص هذا الحديث! ؛ فإنّهم أحالوا إلى مجهول، وساقوا الكلام بصيغة التّمريض.
مُضافاً إلى أنّه وإنْ كان مُتّهماً بالكذب فإنّ هذا لا يوجب في نفسه الحُكم بوضع هذا الحديث بعينه! فلم يتّضح مَن ابتدع تهمته وسنّ رميه بالكذب، فسلك القوم مسلكه، ولم يتنكّبوا طريقه!
ولذا علّق ابن حجر العسقلاني على كلام الذّهبي بعد أنْ نقل الأخير كلام ابن الجوزي، فقال في (لسان الميزان) : (القائل ذلك هو ابن الجوزي مع أنّ في الإسناد إليه [أي إلى ابن جَهْضَم] مجاهيل)[154].
ويكشف النّقاب عن جانب مِن الموقف السّلبي تجاه الرّجل مَن رفع راية تهمة الوضع المذكورة أعني: ابن الجوزي، والذّهبي، فيقول الأوّل في كتابه (التّبصرة) : (وما يُروى فيه مِن صلاة الرّغائب فحديثٌ لا أصل له، وإنّي لأغار لصلاة التّراويح مِن صلاة الرّغائب! ، وإنّما يُتّهم بوضعها ابن جَهْضَم).[155]
ويقول الثّاني في كتابه (تاريخ الإسلام)، فيقول عن حديث صلاة الرّغائب: (والحديث موضوع، ولا يُعرف إلاّ مِن رواية ابن جَهْضَم، وقد اتّهموه بوضع هذا الحديث،... ولقد أتى بمصائب يشهد القلب ببُطلانها في كتاب: بهجة الأسرار).[156]
أقول: وهو كما أوعزنا إليه آنفاً؛ فإنّ الأمر ألصق بالدّوافع النّفسية، والمُنطلقات الذّوقيّة، ولا تتّصل بالواقعيّات عندهم، وكلماتهم كما ترى!
ومهما يكن؛ فإنّه يكفي في الجواب عن هذه الدّعوى ما قاله أحد كبار علمائهم ومُحقّقيهم المعاصرين؛ الشّيخ عبدالله بن يوسف الجديع في كتابه (تحرير علوم الحديث) :
((قال الذهبي في (أبي الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بن جَهْضَم الهمذاني): (ليس بثقة، بل متهم يأتي بمصائب)، فعارض قول الحافظ شيرويه الدّيلمي: (كان ثقة صدوقاً عالماً زاهداً، حسن المعاملة، حسن المعرفة بعلوم الحديث).
وتبيّن أنّ التّهمة بالكذب حكاها ابن الجوزي فقال: (ذكروا أنّه كان كذاباً، ويقال: إنّه وضع صلاة الرّغائب)، ونقل عن أبي الفضل بن خيرون قوله: (قد تكلّموا فيه).
وهذا الطّعن متهافت، فمن ذا كذّبه، فالجرح لا يُقبل مِن مجهول، والتّهمة بوضع صلاة الرّغائب جاءت مِن جهة أنّه روى الحديث فيها، لكنّه لم يكن سوى ناقل، وعلّتها مِمّن فوقه، فإسنادها مجهول، وكثير مّن الثّقات رووا عن المجهولين والضّعفاء والمُتّهمين ما هو منكر أو كذب، وما لحقهم الجرح بسببه، إنّما التّهمة لمن لم يعرف مِن رجاله بالعدالة)[157].انتهى كلامه.
والمُتلخّص: أنّ غاية ما يُمكن أنْ يُخدش مِن خلاله بالخبر هو ضعف سنده لاشتماله على مجاهيل، وهذا شيء آخر غير دعوى كونه موضوعاً!
ولذا قال ابن عساكر في (معجم شيوخه) : (هذا حديث غريب جداً، وفي إسناده غير واحد مِن المجهولين).[158]
وحكى العراقي في (ذيل ميزان الاعتدال) : (قَال أبو موسى المدِينِيّ لا أعلم أَنّي كتبته إِلاّ مِن رواية ابن جَهْضَم، قَال: ورجال إِسناده غير معروفين)[159].
على أنّ ابن جَهْضَم هذا، لم يتفرّد في نقل الخبر، فقد تابعه عليه غيره - على ما يظهر بالتّتبع- ، ومع ذلك لم يقبل القوم تلك المتابعه وحملوها على الخطأ بلا مُستند واضح! ، قال ابن عراق الكناني في (التّنزيه) : (وقَال الحافظ ابن حجر في تبيِين العجب، أخرج هذا الحديث أبو محمّد عبد العزيز الكتاني الحافظ في كتاب فضل رجب له، فقال ذكر علي بن محمّد بن سعيد البصري يعني شيخ ابن جَهْضَم ثنا أبي فذكره بطوله وأخطأ عبد العزيز في هذا فإِنّه أوهم أن الحديث عنده عن غير علي بن عبد الله بن جَهْضَم، وليس كذلك فإنّه إنّما أخذه عنه فحذفه لشهرته بوضع الحديث، وارتقى إِلى شيخه وهو وأبوه وشيخ أبيه مجهولون).[160]
الجِهة الرّابعة : الجواب عن الأمر الرّابع (=عدم عمل العلاّمة (قده) بالرّواية)
أقول: قد اتّضح الجواب عن ذلك بما لا مزيد عليه، بعد أنْ عرفت أنّ العلاّمة أورد الصّلاة في كتابه (منهاج الصّلاح) الذي هو كتاب أدعية وأعمال، وقد ضمّنها الكتاب على سبيل الإضافة على أصل ما اختصره مِن كتاب (المصباح) لشيخ الطّائفة (قده).ويُحدّثنا (قده) عن قيمة إضافاته على أصل الكتاب، فيقول: (وأضفت إليه ما لا بدّ مِنه، ولا يُستغنى عنه، ورتّبته على أبواب).[161]
أقول: وحسبُك تلك الكلمات في اكتشاف موقف العلاّمة (قده) مِن هذه الصّلاة.
تمّ البحث، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصّالحات ،،،
جـابـر جُــوَيْــر
يوم الاثنين
غُرّة شهر رجب المُرجّب 1436 هـ
الموافق: 20 أبريل 2015 م
[2] يُمكن مُراجعة حديث سماحته في موقعه الرّسمي على هذا الرّابط:
http://mohri.net/media/w/index.php
والحديث مؤرّخ بـ(7-11-2014م)، بعنوان: (شعائر2).
[3] https://www.youtube.com/watch?v=u-Pj0aUHBsU
[4] يُمكن مُراجعة حديث سماحته في موقعه الرّسمي على هذا الرّابط:
http://mohri.net/media/w/index.php
والحديث مؤرّخ بـ( 2-3-2015م)، بعنوان: (تأكيد السيد السيستاني على وجوب التعلم).
[5] إقبال الأعمال للسّيد رضي الدّين علي بن موسى بن طاووس (قده) ص125 ، ط.مؤسّسة الأعلمي، الطّبعة الأولى: 1417 هـ، لبنان-بيروت.
[6] منهاج الصّلاح للعلاّمة الحلّي (قده) ص457.
[7] منهاج الصّلاح للعلاّمة الحلي (قده) ص70.
[8] جوابات أهل الموصل في العدد والرّؤية للشّيخ المفيد (قده) ص25 وص35.
[9] مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب (قده) ج3 ص340.
[10] مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب (قده) ج3 ص400.
[11] لاحظ مثلاً: قواعد الحديث للمُحقّق السّيد مُحيي الدّين الغُريفي (قده) ص226-229.
[12] فهرست الشّيخ النّجاشي (قده) ص128 برقم:. 332.
[13] راجع معاني الاختلاط في: الفوائد الرّجاليّة للكجوري الشيرازي (قده) ص120-121 ، توضيح المقال للملا علي كني (قده) ص212، منتهى المقال للحائري (قده) ج1 ص120، عدّة الرجال للكاظمي (قده) ج1 ص194، الرّسائل الرّجاليّة للمُحقّق الكلباسي (قده) ج3 ص386 وما بعدها، مقباس الهداية ج2 ص302-303. نهاية الدّراية ص436-437، سماء المقال ج2 ص285.
[14] بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج104 ص123-126.
[15] وسائل الشّيعة للشّيخ الحُر العاملي (قده) ج8 ب6 ص98-99 ح 10172 ، من (أبواب بقيّة الصّلوات المندوبة).
[16] لاحظ: الفوائد الطّريفة للميزرا عبدالله الأفندي (قده) ص456.
[17] اختيار مصباح المُتهجّد للسّيد علي بن الحسين بن حسّان بن باقي القرشي (قده) ص670، ط. انتشارات دليل ما، ومركز نور الأنوار في إحياء بحار الأنوار، الطّبعة الأولى: 1432 هـ ، إيران - قُم المُقدسة.
[18] البلد الأمين والدّرع الحصين للشّيخ الكفعمي (قده) ص196-170.
ونقلها (قده) في (المصباح) أيضاً، ولكن مِن غير نسبة إلى مصدرها.
كما أنّه تصرّف في ألفاظها، حيث نقلها بصيغة التّعليم، لاحظ: المصباح (=جنة الأمان الواقية وجنة الايمان الباقية) للكفعمي (قده) ص526.
وإنْ ذكر (الإقبال)، و(الاختيار) ضِمن قائمة المصادر التي رجع إليها في تصنيف كتابه (المصباح)، لاحظ: ص772.
[19] أعيان الشّيعة للسّيد مُحسن الأمين (ره) ج8 ص191.
[20] رياض العُلماء للميرزا عبدالله الأفندي (قده) ج3 ص419.
[21] رياض العُلماء للميرزا عبدالله الأفندي (قده) ج6 ص10.
[22] بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج84 ص342، وج91ص246.
[23] م.ن. ج1 ص38.
ولاحظ ما قيل فيه في: روضات الجنّات للخوانساري (قده) ج4 ص339، مستدرك الوسائل للميرزا النّوري الطّبرسي (قده) ج3 ص180، الكنى والألقاب للشّيخ عبّاس القمّي (قده) ج2 ص330، والفوائد الرّضويّة له أيضاً ج1 ص462، تكملة أمل الآمل للسّيد حسن الصّدر (قده) ج3 ص548.
[24] بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج104 ص106، (مِن جُملة ما جاء إجازة العلاّمة الحلّي (قده) لبني زهرة).
[25] رجال ابن داود الحلّي (قده) ص26.
[26] الدّروع الواقية للسّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) ص78.
[27] الأرعون حديثاً للشّهيد الأوّل (قده) ص25.
[28] رياض العلُماء للميرزا عبدالله أفندي (قده) ج1 ص183-184.
[29] تعليقة أمل الآمل للميرزا عبدالله أفندي (قده) ص114.
[30] أمل الآمل للشّيخ الحُر العاملي (قده) ج2 ص65 برقم 177.
[31] بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج104 ص106-107.
[32] الذّريعة للمُحقّق الطّهراني (قده) ج1 ص465 برقم: 2324.
[33] إقبال الأعمال للسّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) ج1 ص108، ط. دار الكتب الإسلاميّة، الطّبعة الثّانية:1409، إيران-طهران، وص385 من ط. مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطّبعة الاولى: 1417 هـ ، لينان-بيروت، قدّم له وعلّق عليه: الشّيخ حسين الأعلمي.
[34] الذريعة إلى تصانيف الشّيعة للمُحقّق الطّهراني (قده) ج21 ص29 بعد رقم: 4119.
[35] وهي الطّبعة التي حقّقها جواد القيّومي، ومشخّصاتها في الحاشية الآتية.
[36] إقبال الأعمال للسّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) ج1 ص21، تحقيق: جواد القيّومي الأصفهاني، ط. مركز النّشر التّابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطّبعة الثّانية: 1418 هـ ، إيران-قُم المُقدّسة.
[37] مجلّة تراثنا، العدد: 54، ص324، مقالة بعنوان: (فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين العامّة النّجف الأشرف)، بقلم: السّيد عبدالعزيز الطّبطبائي (قده).
[38] الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة للمُحقّق الطّهراني (قده) ج1 ص364 برقم:1909، وج2 ص264 برقم:1078.
[39] رياض العُلماء للميرزا عبدالله الأفندي (قده) ج3 ص420، وخاتمة المُستدرك للميرزا النّوري الطّبرسي (قده) ج3 ص180، الكُنى والألقاب للشّيخ عبّاس القُمّي (قده) ج2 ص330، وأعيان الشّيعة للسّيد مُحسن الأمين (قده) ج8 ص191، الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة للمُحقّق الطّهراني (قده) ج1 ص364 برقم:1909 ، وج8 ص190 برقم: 757.
[40] إقبال الأعمال للسّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) ج3 ص370، تحقيق: جواد القيّومي الأصفهاني، ط. مركز النّشر التّابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطّبعة الثّانية: 1418 هـ ، إيران-قُم المُقدّسة.
[41] زاد المعاد للعلاّمة المجلسي (قده) ص42، ط.مؤسّسة الأعلمي، الطّبعة الأولى: 1423هـ، لبنان-بيروت.
[42] النّجعة في شرح اللّمعة للمُحقّق الشّيخ محمّد تقي التستري (قده) ج3 ص103، ط. مكتبة الصّدوق، إيران-طهران، الطّبعة الأولى: 1406 هـ.
[43] بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج95 ص395-397.
[44] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام للشّهيد الثّاني (قده) ج1 ص138.
[45] مفاتيح الاصول للسّيد محمّد الطّبطبائي (قده) ص349 (طبعة حجريّة).
[46] عوائد الأيّام للمُحقّق المولى أحمد النّراقي (قده) ص794-795.
[47] التّسامح في أدلّة السّنن للشّيخ الأعظم الأنصاري (قده) ص31.
[48] السّرقة على ضوء القرآن والسّنة تقريراً لأبحاث المُحقّق السّيد المرعشي النّجفي (قده)، بقلم السّيد عادل العلوي ص390.
[49] زبدة الأصول للمُحقّق السّيد محمّد صادق الرّوحاني (حفظه الله تعالى) ج3 ص287-288.
[50] أنوار الأصول للمُحقّق للشّيخ ناصر مكارم الشّيرازي ج3 ص86.
[51] ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار للعلاّمة المجلسي (قده) ج3 ص 580.
[52] بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج2 ص275.
[53] الحدائق النّاضرة للمُحقّق الشّيخ يوسف بن أحمد البحراني (قده) ج4 ص203، والدّرر النّجفيّة مِن الملتقطات اليوسفيّة له أيضاً (قده) ج3 ص178.
[54] م. ن.
[55] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام للمُحقّق الشّيخ محمّد حسن النّجفي (قده) ج1 ص26.
[56] رسالة في التّسامح في أدلّة السّنن تقريراً لأبحاث المُحقّق الشّيخ جعفر السّبحاني (حفظه الله تعالى)، بقلم الشّيخ علي أكبر الكلانتري الشّيرازي ج4 ص79.
[57] عيون أخبار الرّضا (ع) للشّيخ الصّدوق (قده) ج1 ب28 ص262 ح42، فضائل الأشهر الثلاثة للشّيخ الصّدوق (قده) ص44 ح20.
[58] قُرب الإسناد للشّيخ الحميري(قده) ص36 ح117، وثواب الأعمال للشّيخ الصّدوق (قده) ص 187.
[59] مَن لا يحضره الفقيه للشّيخ الصّدوق (قده) ج4 ص17 ح4968 ( باب: ذكر جمل من مناهي النبي (ص) )، ثواب الأعماله له (قده) ص290، الأمالي له (قده) ص518 ح707، روضة الواعضين للفتّال النّيسابوري (قده) ص313، مكارم الأخلاق للطّبرسي (قده) ص432.
[60] الكافي للشّيخ الكليني (قده) ج2 ص633 ح26، (باب: النوادر، من كتاب: فضل القرآن).
[61] الكافي للشّيخ الكليني (قده) ج3 ص321 ح7 ، ( باب: الركوع وما يقال فيه من التسبيح والدعاء فيه وإذا رفع الرأس منه).
[62] عيون أخبار الرّضا (ع) للشّيخ الصّدوق (قده) ج2 ب31 ص62 ح212.
[63] إقبال الأعمال للسّيد رضي الدّين علي بن موسى بن طاووس (قده) ج3 ص185، بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج104 ص123-126، البلد الأمين والدّرع الحصين للشّيخ الكفعمي (قده) ص196-170.
[64] روضة المُتّقين للعلاّمة محمّد تقي المجلسي (قده) ج1 ص87، وثواب الأعمال للشّيخ الصّدوق (قده) ص33.
[65] بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج1 ص3-4.
[66] تجدر الإشارة إلى أنّ التّعبير الذي استعملناه (لم يصل) نعني به -تسامحاً- : الأعم من كونه مفقوداً، أو لا يزال مخطوطاً لم يُنفض عنه التّراب، ويخرج إلى النّور مِن أرفف المكتبات العامّة والخاصّة، التي تحوي نفائس المخطوطات.
[67] وصول الأخيار إلى أصول الأخبار للشّيخ حسين بن عبدالصّمد العاملي (قده) ص85.
[68] لاحظ: كتابخانه ابن طاووس وأحوال وآثار او، تأليف: إتان کلبرگ، ترجمة: السّيد علي قرائي ورسول جعفريان، ط. كتابخانه عمومي حضرت آيت الله العظمي مرعشي نجفي، 1371 هـ.، و ط. مركز اطلاعات و مدارك اسلامي، ۱۳۸۶ هـ.، وط. مؤسسه تحقيقات و نشر معارف اهل البيت (ع)، و مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد الثاني عشر، سنة: 1384هـ ـ1965م، مقالة بعنوان: (السّيد علي آل طاووس للشّيخ محمّد حسن آل ياسين (قده) ).
[69] كشف المحجّة لثمرة المُهجة للسّيد رضي الدّين علي ابن طاووس (قده) ص189، ط. مركز النّشر التّابع لمكتب الإعلام الإسلامي، إيران-قُم المُقدّسة، الطّبعة الثّانية: 1417 هـ.
[70] مُهج الدّعوات ومنهج العبادات للسّيد رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص411 ، ط. مؤسسّة الأعلمي، لبنان-بيروت، الطّبعة الثّانية: 1424 هـ.
[71] الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة للمُحقّق الشّيخ الطّهراني (قده) ج2 ص264.
[72] لاحظ: الفهرست للشّيخ النّجاشي (قده) ص345 برقم: 948.
[73] مهج الدّعوات للسّيد رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص172، وص187
[74] إقبال الأعمال للسّيد رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص295.
[75] محاسبة النّفس رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص15.
[76] مهج الدّعوات للسّيد رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص187، وص316.
[77] المصباح (جنة الأمان الواقية وجنة الايمان الباقية) للشّيخ الكفعمي (قده) ص308.
[78] الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة للعلاّمة الطّهراني (قده) ج16 ص267 برقم: 1110.
[79] فهرست الشّيخ الطّوسي (قده) ص32-33.
[80] فهرست الشّيخ النّجاشي (قده) ص3.
[81] فهرست النّجاشي (قده) ص177-178 برقم: 476.
[82] مُهج الدّعوات للسّيد رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص134، وص137، وص174، وص257، وص303،وص309.
[83] إقبال الأعمال له (قده) ج2 ص202.
[84] الأمان من أخطار الأزمان والأسفار للسّيد رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص19.
[85] فتح الأبواب للسّيد رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص139.
[86] مُهج الدّعوات للسّيد رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص97.
[87] فهرست الشّيخ الطّوسي (قده) ص238 برقم: 710.
[88] فهرست الشّيخ النّجاشي (قده) ص 398 برقم: 1049.
[89] وصول الأخيار إلى أصول الأخبار للشّيخ حسين بن عبدالصّمد العاملي (قده) ص85.
[90] فلاح السّائل للسّيد رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص69.
[91] الفهرست للشّيخ الطوسي (قده) ص242 برقم: 714.
[92] راجع ترجمته في: رياض العلماء للميرزا عبدالله الأفندي (قده) ج5 ص115.
[93] انظر: بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي (قده) ج106 ص39.
[94] فتح الأبواب للسّيد رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص242.
[95] لاحظ: طبقات أعلام الشّيعة للمُحقّق الطّهراني (قده) ج2 ص188-189، والذّريعة إلى تصانيف الشّيعة له (قده) ج20 ص54.
[96] مُهج الدّعوات للسّيد رضي الدّين علي بن طاووس (قده) ص184.
[97] لاحظ: طبقات أعلام الشّيعة للمُحقّق الطّهراني (قده) ج2 ص175-176، والذّريعة إلى تصانيف الشّيعة له (قده) ج8 ص195-196.
[98] إقبال الأعمال للسّيد رضي الدّين بن طاوس (قده) ج1 ص366، وج2 ص70، وص264، وص276، وص279، وص282، وج3 ص163، وص209، وص220، وص229، وص232، وص265، وص268، وص272، وص276، وص299، وص317، وص318، وص319، وص347.
[99] جمال الأسبوع للسّيد رضي الدّين بن طاوس (قده) ص39.
[100] تقرير بحث السّيد البروجردي (قده) في القبلة، السّتر والسّاتر، لباس المُصلّي، مكان المُصلّي، بقلم: المُحقّق الشّيخ على پناه الاشتهاردي (قده) ج1 ص280.
[101] المقنع للشّيخ الصّدوق (قده) ص129-153.
[102] الهداية للشّيخ الصّدوق (قده) ص144-157.
[103] المُقنع للشّيخ الصّدوق (قده) ص207.
[104] المقنعة للشّيخ المفيد (قده) ص159-226.
[105] مسار الشّيعة للشّيخ المفيد (قده) ص56-60.
[106] الانتصار للسّيد المُرتضى (قده) ص165-174.
[107] جمل العلم والعمل للسّيد المُرتضى (قده) ص71-74.
[108] النّاصريات للسّيد المُرتضى (قده) ص198-267.
[109] الكافي في الفقه لأبي الصّلاح الحلبي (قده) ص185-163.
[110] المراسم العلوية سلاّر الديلمي (قده) ص77-84.
[111] م. ن. ص28.
[112] المراسم العلوية سلاّر الديلمي (قده) ص81.
[113] م. ن. ص28.
[114] المبسوط للشّيخ الطّوسي (قده) ج1 ص131-135.
[115] النّهاية في مجرد العمل والفتوى للشّيخ الطّوسي (قده) ص60-143
[116] الاقتصاد للشّيخ الطوسي (قده) ص265-275.
[117] م.ن. ص275.
[118] الخلاف للشّيخ الطّوسي (قده) ص528.
[119] الرسائل العشر(عمل اليوم والليلة) للشّيخ الطّوسي (قده) 146.
[120] الجمل والعقود في المعاملات والعبادات ص81.
[121] المُهذّب لابن البرّاج (قده) ج1 ص68.
[122] م. ن. ج1 ص24-25، وج2 ص419-420.
[123] المؤتلف من المختلف بين أئمّة السّلف لأمين الإسلام (قده) 185-239.
[124] الوسيلة لابن حمزة الطّوسي (قده) ص116.
[125] سلوة الحزين لقطب الدّين الرّاوندي (قده) ص73 -108.
[126] غنية النزوع لابن زهرة الحلبي (قده) ص106-111.
[127] إشارة السّبق لأبي المجد الحلبي (قده) ص105-108.
[128] السّرائر لابن إدريس الحلّي (قده) ج1 ص308-325.
[129] بهجة المحافل وبُغية الأماثل في تلخيص المعجزات والسّير والشّمائل ليحيى بن أبى بكر العامري الحرضي ج2 ص357.
[130] طبقات الشّافعيّة الكبرى ج6 ص298.
[131] إحياء علوم الدّين للغزالي ج2 ص366.
[132] الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل لعبد القادر الحسني الجيلاني ج1 ص330 - 331.
[133] مساجلة علميّة بين الإمامين الجليلين العزّ بن عبد السّلام وابن الصّلاح ص13-27.
[134] سير أعلام النّبلاء للذّهبي ج23 ص143 برقم: 100.
[135] التّحفة اللّطيفة في تاريخ المدينة الشّريفة لشمس الدّين السّخاوي ص331 برقم: 3212.
[136] المدخل لابن الحاج ج1 ص293.
[137] م.ن. ج1 ص310.
[138] مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان لأبي محمد عبد الله اليافعي اليمني المكي ج4 ص118.
[139] كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة ج2 ص1655.
[140] روح البيان لأبي الفداء إسماعيل حقّي الإستانبولي الحنفي الخلوتي ج9 ص142.
[141] روح البيان لأبي الفداء إسماعيل حقّي الإستانبولي الحنفي الخلوتي ج9 ص480.
[142] صحيح شرح العقيدة الطّحاوية أو المنهج الصّحيح في فهم عقيدة أهل السّنة والجماعة مع التّنقيح لحسن بن علي السّقاف ص411.
[143] كتاب وصيّة البنات (ضِمن مجموع رسائل الإمام المنصور بالله) ج2 ص579.
[144] التّدوين تاريخ قزوين للرّافعي ج3 ص370، نقله عن كتاب (طبقات أهل همدان)، نقله عنه، وذكره أيضاً الّهبي في تاريخ الإسلام ج9 ص238، وابن حجر في لسان الميزان ج4 ص 277.
[145] تاريخ دمشق لابن عساكر ج43 ص19 برقم: 4948.
[146] تنزيه الشّريعة المرفوعة عن الأخبار الشّنيعة الموضوعة لابن عراق الكناني ج2 ص92 ح50.
[147] الموضوعات لابن الجوزي ج2 ص125.
[148] تلخيص كتاب الموضوعات لابن الجوزي للذّهبي ص185 برقم:433.
[149] المنتظم لابن الجوزي ج15 ص161 برقم: 3118.
[150] ميزان الاعتدال للذّهبي ج3 ص142-143.
[151] سير أعلام النّبلاء للذّهبي ج17 ص276 برقم: 168.
[152] الكشف الحثيث لسبط ابن العجمي ص188 برقم: 516.
[153] الإصابة في تمييز الصّحابة لابن حجر العسقلاني ج2 ص280.
[154] لسان الميزان لابن حجر العسقلاني ج4 ص238.
[155] التّبصرة لابن الجوزي ج2 ص20.
[156] تاريخ الإسلام للذّهبي ج28 ص351.
[157] تحرير علوم الحديث للشّيخ عبدالله يوسف الجديع ج1 ص545-546.
[158] معجم الشّيوخ لابن عساكر ج1 ص186 برقم: 210.
[159] ذيل ميزان الاعتدال لزبن الدّين العراقي ص91 برقم: 334.
[160] الشّريعة المرفوعة عن الأخبار الشّنيعة الموضوعة لابن عراق الكناني ج2 ص91-92 ح50.
[161] منهاج الصّلاح للعلاّمة الحلي (قده) ص70.
تعليقات
إرسال تعليق